كمال الدين و تمام النعمه ، جلد۲

شيخ صدوق ابى جعفر محمد بن على بن الحسين قمى قدس سره
مترجم: منصور پهلوان

- ۲۵ -


ثم قال فى نفسه هذا حين نعى إلى شبابى‏و بين لى أن ملكى فى ذهاب و أوذنت بالنزول عن سرير ملكى ثم قال هذه مقدمة الموت و رسول البلى لم يحجبه عنى حاجب و لم يمنعه عنى حارس فنعى إلى نفسى‏و آذننى بزوال ملكى فما أسرع هذا فى تبديل بهجتى و ذهاب سرورى و هدم قوتى لم يمنعه منى الحصون و لم تدفعه عنى‏الجنود هذا سالب الشباب و القوة و ماحق العز و الثروة و مفرق الشمل و قاسم التراث بين الأولياء و الأعداء مفسد المعاش و منغص اللذات و مخرب العمارات و مشتت الجمع و واضع الرفيع و مذل المنيع قد أناخت بى أثقاله و نصب لى‏حباله.

ثم نزل عن مجلسه حافيا ماشيا و قد صعد إليه محمولا ثم جمع إليه جنوده و دعا إليه ثقاته فقال أيها الملأ ما ذا صنعت فيكم و ما ذا أتيت إليكم منذ ملكتكم و وليت أموركم قالوا له أيها الملك المحمود عظم بلاؤك عندنا و هذه أنفسنا مبذولة فى طاعتك فمرنا بأمرك قال طرقنى عدو مخيف لم تمنعونى‏منه حتى نزل بى و كنتم عدتى و ثقاتى قالوا أيها الملك أين هذا العدو أ يرى أم لا يرى قال يرى بأثر و لا يرى عينه قالوا أيها الملك هذه عدتنا كما ترى و عندنا سكن و فينا ذوو الحجى و النهى فأرناه نكفك ما مثله يكفى قال قد عظم الاغترار منى بكم و وضعت الثقة فى غير موضعها حين اتخذتكم و جعلتكم لنفسى جنة و إنما بذلت لكم الأموال و رفعت شرفكم و جعلتكم البطانة دون غيركم لتحفظونى من الأعداء و تحرسونى منهم ثم أيدتكم على ذلك بتشييد البلدان و تحصين المدائن و الثقة من السلاح و نحيت عنكم الهموم و فرغتكم للنجدة و الاحتفاظ و لم أكن أخشى أن أراع معكم و لا أتخوف المنون على بنيانى و أنتم عكوف مطيفون به فطرقت و أنتم حولى و أتيت و أنتم معى فلئن كان هذا ضعف منكم فما أخذت أمرى بثقة و إن كانت غفلة منكم فما أنتم بأهل النصيحة و لا على بأهل الشفقة قالوا أيها الملك أما شى‏ء نطيق دفعه بالخيل و القوة فليس بواصل إليك إن شاء الله و نحن أحياء و أما ما لا يرى فقد غيب عنا علمه و عجزت قوتنا عنه.

قال أليس اتخذتكم لتمنعونى من عدوى قالوا بلى قال فمن أى عدو تحفظونى من الذى يضرنى أو من الذى لا يضرنى قالوا من الذى يضرك قال أ فمن كل ضار لى أو من بعضهم قالوا من كل ضار قال فإن رسول البلى قد أتانى ينعى إلى نفسى و ملكى و يزعم أنه يريد خراب ما عمرت و هدم ما بنيت و تفريق ما جمعت و فساد ما أصلحت و تبذير ما أحرزت و تبديل ما عملت و توهين ما وثقت و زعم أن معه الشماتة من الأعداء و قد قرت بى أعينهم فإنه يريد أن يعطيهم منى شفاء صدورهم و ذكر أنه سيهزم جيشى و يوحش أنسى و يذهب عزى و يؤتم ولدى و يفرق جموعى يفجع بى إخوانى‏و أهلى و قرابتى و يقطع أوصالى و يسكن مساكنى‏أعدائى

قالوا أيها الملك إنما نمنعك من الناس و السباع و الهوام و دواب الأرض فأما البلى فلا طاقة لنا به و لا قوة لنا عليه و لا امتناع لنا منه فقال فهل من حيلة فى دفع ذلك عنى قالوا لا قال فشى‏ء دون ذلك تطيقونه قالوا و ما هو قال الأوجاع و الأحزان و الهموم قالوا أيها الملك إنما قد قدر هذه الأشياء قوى لطيف و ذلك يثور من الجسم و النفس و هو يصل إليك إذا لم يوصل و لا يحجب عنك و إن حجب قال فأمر دون ذلك قالوا و ما هو قال ما قد سبق من القضاء قالوا أيها الملك و من ذا غالب القضاء فلم يغلب و من ذا كابره فلم يقهر قال فما ذا عندكم قالوا ما نقدر على دفع القضاء و قد أصبت التوفيق و التسديد فما ذا الذى تريد قال أريد أصحابا يدوم عهدهم و يفوا لى و تبقى لى إخوتهم و لا يحجبهم عنى‏الموت و لا يمنعهم البلى عن صحبتى و لا يستحيل بهم الامتناع عن صحبتى و لا يفردونى إن مت و لا يسلمونى إن عشت و يدفعون عنى ما عجزتم عنه من أمر الموت.

قالوا أيها الملك و من هؤلاء الذين وصفت قال هم الذين أفسدتهم باستصلاحكم قالوا أيها الملك أ فلا تصطنع عندنا و عندهم معروفا فإن أخلاقك تامة و رأفتك عظيمة قال إن فى صحبتكم إياى السم القاتل و الصمم و العمى فى طاعتكم و البكم من موافقتكم قالوا كيف ذاك أيها الملك قال صارت صحبتكم إياى فى‏الاستكثار و موافقتكم على الجمع و طاعتكم إياى فى‏الاغتفال فبطأتمونى عن المعاد و زينتم لى الدنيا و لو نصحتمونى ذكرتمونى الموت و لو أشفقتم على ذكرتمونى‏البلى و جمعتم لى ما يبقى و لم تستكثروا لى ما يفنى فإن تلك المنفعة التى ادعيتموها ضرر و تلك المودة عداوة و قد رددتها عليكم لا حاجة لى فيها منكم.

قالوا أيها الملك الحكيم المحمود قد فهمنا مقالتك و فى‏أنفسنا إجابتك و ليس لنا أن نحتج عليك فقد رأينا مكان الحجة فسكوتنا عن حجتنا فساد لملكنا و هلاك لدنيانا و شماتة لعدونا و قد نزل بنا أمر عظيم بالذى تبدل من رأيك و أجمع عليه أمرك قال قولوا آمنين و اذكروا ما بدا لكم غير مرعوبين فإنى كنت إلى اليوم مغلوبا بالحمية و الأنفة و أنا اليوم غالب لهما و كنت إلى اليوم مقهورا لهما و أنا اليوم قاهر لهما و كنت إلى اليوم ملكا عليكم فقد صرت عليكم مملوكا و أنا اليوم عتيق و أنتم من مملكتى طلقاء قالوا أيها الملك ما الذى‏كنت له مملوكا إذ كنت علينا ملكا قال كنت مملوكا لهواى‏مقهورا بالجهل مستعبدا لشهواتى فقد قطعت تلك الطاعة عنى و نبذتها خلف ظهرى

قالوا فقل ما أجمعت عليه أيها الملك قال القنوع و التخلى لآخرتى و ترك هذا الغرور و نبذ هذا الثقل عن ظهرى و الاستعداد للموت و التأهب للبلاء فإن رسوله عندى قد ذكر أنه قد أمر بملازمتى و الإقامة معى‏حتى يأتينى الموت فقالوا أيها الملك و من هذا الرسول الذى قد أتاك و لم نره و هو مقدمة الموت الذى لا نعرفه قال أما الرسول فهذا البياض الذى يلوح بين السواد و قد صاح فى‏جميعه بالزوال فأجابوا و أذعنوا و أما مقدمة الموت فالبلى الذى هذا البياض طرقه.

قالوا أيها الملك أ فتدع مملكتك و تهمل رعيتك و كيف لا تخاف الإثم فى تعطيل أمتك أ لست تعلم أن أعظم الأجر فى استصلاح الناس و أن رأس الصلاح الطاعة للأمة و الجماعة فكيف لا تخاف من الإثم و فى هلاك العامة من الإثم فوق الذى ترجو من الأجر فى صلاح الخاصة أ لست تعلم أن أفضل العبادة العمل و أن أشد العمل السياسة فإنك أيها الملك ما فى يديك عدل على رعيتك مستصلح لها بتدبيرك فإن لك من الأجر بقدر ما استصلحت أ لست أيها الملك إذا خليت ما فى يديك من صلاح أمتك فقد أردت فسادهم فقد حملت من الإثم فيهم أعظم مما أنت مصيب من الأجر فى خاصة يديك؟

ألست أيها الملك قد علمت أن العلماء قالوا من أتلف نفسا فقد استوجب لنفسه الفساد و من أصلحها فقد استوجب الصلاح لبدنه و أى فساد أعظم من رفض هذه الرعية التى أنت إمامها و الإقامة فى هذه الأمة التى‏أنت نظامها حاشا لك أيها الملك أن تخلع عنك لباس الملك الذى هو الوسيلة إلى شرف الدنيا و الآخرة قال قد فهمت الذى ذكرتم و عقلت الذى وصفتم فإن كنت إنما أطلب الملك عليكم للعدل فيكم و الأجر من الله تعالى ذكره فى‏استصلاحكم بغير أعوان يرفدوننى و وزراء يكفوننى فما عسيت أن أبلغ بالوحدة فيكم أ لستم جميعا نزعا إلى الدنيا و شهواتها و لذاتها و لا آمن أن أخلد إلى الحال التى أرجو أن أدعها و أرفضها فإن فعلت ذلك أتانى الموت على غرة فأنزلنى‏عن سرير ملكى إلى بطن الأرض و كسانى التراب بعد الديباج و المنسوج بالذهب و نفيس الجوهر و ضمنى إلى الضيق بعد السعة و ألبسنى الهوان بعد الكرامة فأصير فريدا بنفسى ليس معى أحد منكم فى الوحدة قد أخرجتمونى من العمران و أسلمتمونى إلى الخراب و خليتم بين لحمى و بين سباع الطير و حشرات الأرض فأكلت منى النملة فما فوقها من الهوام و صار جسدى دودا و جيفة قذرة الذل لى حليف و العز منى غريب أشدكم حبا لى أسرعكم إلى دفنى و التخلية بينى و بين ما قدمت من عملى و أسلفت من ذنوبى فيورثنى ذلك الحسرة و يعقبنى الندامة و قد كنتم وعدتمونى أن تمنعونى‏من عدوى الضار فإذا أنتم لا منع عندكم و لا قوة على ذلك لكم و لا سبيل أيها الملأ إنى محتال لنفسى إذ جئتم بالخداع و نصبتم لى شراك الغرور.

فقالوا أيها الملك المحمود لسنا الذى كنا كما أنك لست الذى كنت و قد أبدلنا الذى أبدلك و غيرنا الذى‏غيرك فلا ترد علينا توبتنا و بذل نصيحتنا قال أنا مقيم فيكم ما فعلتم ذلك و مفارقكم إذا خالفتموه.

فأقام ذلك الملك فى ملكه و أخذ جنوده بسيرته و اجتهدوا فى العبادة فخصب بلادهم و غلبوا عدوهم و ازداد ملكهم حتى هلك ذلك الملك و قد صار فيهم بهذه السيرة اثنتين و ثلاثين سنة و كان جميع ما عاش أربعا و ستين سنة.

قال يوذاسف قد سررت بهذا الحديث جدا فزدنى من نحوه أزدد سرورا و لربى شكرا.

قال الحكيم زعموا أنه كان ملك من الملوك الصالحين و كان له جنود يخشون الله عز و جل و يعبدونه و كان فى ملك أبيه شدة من زمانهم و التفرق فيما بينهم و ينقص العدو من بلادهم و كان يحثهم على تقوى الله عز و جل و خشيته و الاستعانة به و مراقبته و الفزع إليه فلما ملك ذلك الملك قهر عدوه و استجمعت رعيته و صلحت بلاده و انتظم له الملك فلما رأى ما فضل الله عز و جل به أترفه ذلك و أبطره و أطغاه حتى ترك عبادة الله عز و جل و كفر نعمه و أسرع فى قتل من عبد الله و دام ملكه و طالت مدته حتى ذهل الناس عما كانوا عليه من الحق قبل ملكه و نشوه و أطاعوه فيما أمرهم به و أسرعوا إلى الضلالة فلم يزل على ذلك فنشأ فيه الأولاد و صار لا يعبد الله عز و جل فيهم و لا يذكر بينهم اسمه و لا يحسبون أن لهم إلها غير الملك و كان ابن الملك قد عاهد الله عز و جل فى حياة أبيه إن هو ملك يوما أن يعمل بطاعة الله عز و جل بأمر لم يكن من قبله من الملوك يعملون به و لا يستطيعونه فلما ملك أنساه الملك رأيه الأول و نيته التى كان عليها و سكر سكر صاحب الخمر فلم يكن يصحو و يفيق و كان من أهل لطف الملك رجل صالح أفضل أصحابه منزلة عنده فتوجع له مما رأى من ضلالته فى دينه و نسيانه ما عاهد الله عليه و كان كلما أراد أن يعظه ذكر عتوه و جبروته و لم يكن بقى من تلك الأمة غيره و غير رجل آخر فى‏ناحية أرض الملك لا يعرف مكانه و لا يدعى باسمه.

فدخل ذات يوم على الملك بجمجمة قد لفها فى ثيابه فلما جلس عن يمين الملك انتزعها عن ثيابه فوضعها بين يديه ثم وطئها برجله فلم يزل يفركها بين يدى الملك و على بساطه حتى دنس مجلس الملك بما تحات من تلك الجمجمة فلما رأى الملك ما صنع غضب من ذلك غضبا شديدا و شخصت إليه أبصار جلسائه و استعدت الحرس بأسيافهم انتظارا لأمره إياهم بقتله و الملك فى ذلك مالك لغضبه و قد كانت الملوك فى ذلك الزمان على جبروتهم و كفرهم ذوى‏أناة و تؤدة استصلاحا للرعية على عمارة أرضهم ليكون ذلك أعون للجلب و أدى للخراج فلم يزل الملك ساكتا على ذلك حتى قام من عنده فلف تلك الجمجمة ثم فعل ذلك فى اليوم الثانى و الثالث فلما رأى أن الملك لا يسأله عن تلك الجمجمة و لا يستنطقه عن شى‏ء من شأنها أدخل مع تلك الجمجمة ميزانا و قليلا من تراب فلما صنع بالجمجمة ما كان يصنع أخذ الميزان و جعل فى إحدى كفتيه درهما و فى الأخرى بوزنه ترابا ثم جعل ذلك التراب فى عين تلك الجمجمة ثم أخذ قبضة من التراب فوضعها فى موضع الفم من تلك الجمجمة.

فلما رأى الملك ما صنع قل صبره و بلغ مجهوده فقال لذلك الرجل قد علمت أنك إنما اجترأت على ما صنعت لمكانك منى و إدلالك على و فضل منزلتك عندى و لعلك تريد بما صنعت أمرا فخر الرجل للملك ساجدا و قبل قدميه و قال أيها الملك أقبل على بعقلك كله فإن مثل الكلمة مثل السهم إذا رمى به فى أرض لينة ثبت فيها و إذا رمى به فى الصفا لم يثبت و مثل الكلمة كمثل المطر إذا أصاب أرضا طيبة مزروعة نبت فيها و إذا أصاب السباخ لم ينبت و إن أهواء الناس متفرقة و العقل و الهوى يصطرعان فى القلب فإن غلب هوى العقل عمل الرجل بالطيش و السفه و إن كان الهوى هو المغلوب لم يوجد فى أمر الرجل سقطة فإنى لم أزل منذ كنت غلاما أحب العلم و أرغب فيه و أوثره على الأمور كلها فلم أدع علما إلا بلغت منه أفضل مبلغ فبينا أنا ذات يوم أطوف بين القبور إذ قد بصرت بهذه الجمجمة بارزة من قبور الملوك فغاظنى موقعها و فراقها جسدها غضبا للملوك فضممتها إلى و حملتها إلى منزلى فألبستها الديباج و نضحتها بماء الورد و الطيب و وضعتها على الفرش و قلت إن كانت من جماجم الملوك فسيؤثر فيها إكرامى إياها و ترجع إلى جمالها و بهائها و إن كانت من جماجم المساكين فإن الكرامة لا تزيدها شيئا ففعلت ذلك بها أياما فلم أستنكر من هيئتها شيئا فلما رأيت ذلك دعوت عبدا هو أهون عبيدى عندى فأهانها فإذا هى على حالة واحدة عند الإهانة و الإكرام فلما رأيت ذلك أتيت الحكماء فسألتهم عنها فلم أجد عندهم علما بها ثم علمت أن الملك منتهى العلم و مأوى الحلم فأتيتك خائفا على نفسى و لم يكن لى أن أسألك عن شى‏ء حتى تبدأنى به و أحب أن تخبرنى أيها الملك أ جمجمة ملك هى أم جمجمة مسكين فإنها لما أعيانى أمرها تفكرت فى أمرها و فى عينها التى كانت لا يملؤها شى‏ء حتى لو قدرت على ما دون السماء من شى‏ء تطلعت إلى أن تتناول ما فوق السماء فذهبت أنظر ما الذى‏يسدها و يملؤها فإذا وزن درهم من تراب قد سدها و ملأها و نظرت إلى فيها الذى لم يكن يملؤه شى‏ء فملأته قبضة من تراب فإن أخبرتنى أيها الملك أنها جمجمة مسكين احتججت عليك بأنى قد وجدتها وسط قبور الملوك ثم اجمع جماجم ملوك و جماجم مساكين فإن كان لجماجمكم عليها فضل فهو كما قلت و إن أخبرتنى بأنها من جماجم الملوك أنبأتك أن ذلك الملك الذى كانت هذه جمجمته قد كان من بهاء الملك و جماله و عزته فى مثل ما أنت فيه اليوم فحاشاك أيها الملك أن تصير إلى حال هذه الجمجمة فتوطأ بالأقدام و تخلط بالتراب و يأكلك الدود و تصبح بعد الكثرة قليلا و بعد العزة ذليلا و تسعك حفرة طولها أدنى من أربعة أذرع و يورث ملكك و ينقطع ذكرك و يفسد صنائعك و يهان من أكرمت و يكرم من أهنت و تستبشر أعداؤك و يضل أعوانك و يحول التراب دونك فإن دعوناك لم تسمع و إن أكرمناك لم تقبل و إن أهناك لم تغضب فيصير بنوك يتامى و نساؤك أيامى و أهلك يوشك أن يستبدلن أزواجا غيرك.

فلما سمع الملك ذلك فزع قلبه و انسكبت عيناه يبكى و يعول و يدعو بالويل فلما رأى الرجل ذلك علم أن قوله قد استمكن من الملك و قوله قد أنجع فيه زاده ذلك جرأة عليه و تكريرا لما قال فقال له الملك جزاك الله عنى خيرا و جزى من حولى من العظماء شرا لعمرى لقد علمت ما أردت بمقالتك هذه و قد أبصرت أمرى فسمع الناس خبره فتوجهوا أهل الفضل نحوه و ختم له بالخير و بقى عليه إلى أن فارق الدنيا.

قال ابن الملك زدنى من هذا المثل قال الحكيم زعموا أن ملكا كان فى أول الزمان و كان حريصا على أن يولد له و كان لا يدع شيئا مما يعالج به الناس أنفسهم إلا أتاه و صنعه فلما طال ذلك من أمره حملت امرأة له من نسائه فولدت له غلاما فلما نشأ و ترعرع خطا ذات يوم خطوة فقال معادكم تجفون ثم خطا أخرى فقال تهرمون ثم خطا الثالثة فقال ثم تموتون ثم عاد كهيئته يفعل كما يفعل الصبى.

فدعا الملك العلماء و المنجمين فقال أخبرونى خبر ابنى هذا فنظروا فى شأنه و أمره فأعياهم أمره فلم يكن عندهم فيه علم فلما رأى الملك أنه ليس عندهم فيه علم دفعه إلى المرضعات فأخذن فى إرضاعه إلا أن منجما منهم قال إنه سيكون إماما و جعل عليه حراسا لا يفارقونه حتى إذا شب انسل يوما من عند مرضعيه و الحرس فأتى السوق فإذا هو بجنازة فقال ما هذا قالوا إنسانا مات قال ما أماته قالوا كبر و فنيت أيامه و دنا أجله فمات قال و كان صحيحا حيا يمشى و يأكل و يشرب قالوا نعم ثم مضى فإذا هو برجل شيخ كبير فقام ينظر إليه متعجبا منه فقال ما هذا قالوا رجل شيخ كبير قد فنى شبابه و كبر قال و كان صغيرا ثم شاب قالوا نعم ثم مضى فإذا هو برجل مريض مستلقى على ظهره فقام ينظر إليه و يتعجب منه فسألهم ما هذا قالوا رجل مريض فقال أ و كان هذا صحيحا ثم مرض قالوا نعم قال و الله لئن كنتم صادقين فإن الناس لمجنونون.

فافتقد الغلام عند ذلك فطلب فإذا هو بالسوق فأتوه فأخذوه و ذهبوا به فأدخلوه البيت فلما دخل البيت استلقى على قفاه ينظر إلى خشب سقف البيت و يقول كيف كان هذا قالوا كانت شجرة ثم صارت خشبا ثم قطع ثم بنى هذا البيت ثم جعل هذا الخشب عليه فبينا هو فى كلامه إذ أرسل الملك إلى الموكلين به انظروا هل يتكلم أو يقول شيئا قالوا نعم و قد وقع فى كلام ما نظنه إلا وسواسا فلما رأى الملك ذلك و سمع جميع ما لفظ به الغلام دعا العلماء فسألهم فلم يجد فيه عندهم علما إلا الرجل الأول فأنكر قوله فقال بعضهم أيها الملك لو زوجته ذهب عنه الذى ترى و أقبل و عقل و أبصر فبعث الملك فى الأرض يطلب و يلتمس له امرأة فوجدت له امرأة من أحسن الناس و أجملهم فزوجها منه فلما أخذوا فى وليمة عرسه أخذ اللاعبون يلعبون و الزمارون يزمرون فلما سمع الغلام جلبتهم و أصواتهم قال ما هذا قالوا هؤلاء لعابون و زمارون جمعوا لعرسك فسكت الغلام فلما فرغوا من العرس و أمسوا دعا الملك امرأة ابنه فقال لها إنه لم يكن لى ولد غير هذا الغلام فإذا دخلت عليه فالطفى به و اقربى منه و تحببى إليه فلما دخلت المرأة عليه أخذت تدنو منه و تتقرب إليه فقال الغلام على رسلك فإن الليل طويل بارك الله فيك و اصبرى حتى نأكل و نشرب فدعا بالطعام فجعل يأكل فلما فرغ جعلت المرأة تشرب فلما أخذ الشراب منها نامت.

فقام الغلام فخرج من البيت و انسل من الحرس و البوابين حتى خرج و تردد فى المدينة فلقيه غلام مثله من أهل المدينة فاتبعه و ألقى ابن الملك عنه تلك الثياب التى كانت عليه و لبس ثياب الغلام و تنكر جهده و خرجا جميعا من المدينة فسارا ليلتهما حتى إذا قرب الصبح خشيا الطلب فكمنا فأتيت الجارية عند الصبح فوجدوها نائمة فسألوها أين زوجك قالت كان عندى الساعة فطلب الغلام فلم يقدر عليه فلما أمسى الغلام و صاحبه سارا ثم جعلا يسيران الليل و يكمنان النهار حتى خرجا من سلطان أبيه و وقعا فى ملك سلطان آخر.

و قد كان لذلك الملك الذى صارا إلى سلطانه ابنة قد جعل لها أن لا يزوجها أحدا إلا من هويته و رضيته و بنى لها غرفة عالية مشرفة على الطريق فهى فيها جالسة تنظر إلى كل من أقبل و أدبر فبينما هى كذلك إذ نظرت إلى الغلام يطوف فى السوق و صاحبه معه فى خلقانه فأرسلت إلى أبيها إنى قد هويت رجلا فإن كنت مزوجى أحدا من الناس فزوجنى‏منه و أتيت أم الجارية فقيل لها إن ابنتك قد هويت رجلا و هى تقول كذا و كذا فأقبلت إليها فرحة حتى تنظر إلى الغلام فأروها إياه فنزلت أمها مسرعة حتى دخلت على الملك فقالت إن ابنتك قد هويت رجلا فأقبل الملك ينظر إليه ثم قال أرونيه فأروه من بعد فأمر أن يلبس ثيابا أخرى و نزل فسأله و استنطقه و قال من أنت و من أين أنت قال الغلام و ما سؤالك عنى أنا رجل من مساكين الناس فقال إنك لغريب و ما يشبه لونك ألوان أهل هذه المدينة فقال الغلام ما أنا بغريب فعالجه الملك أن يصدقه قصته فأبى فأمر الملك أناسا أن يحرسوه و ينظروا أين يأخذ و لا يعلم بهم ثم رجع الملك إلى أهله فقال رأيت رجلا كأنه ابن ملك و ما له حاجة فيما تراودونه عليه فبعث إليه فقيل له إن الملك يدعوك فقال الغلام و ما أنا و الملك يدعونى و ما لى إليه حاجة و ما يدرى من أنا فانطلق به على كره منه حتى دخل على الملك فأمر بكرسى فوضع له فجلس عليه و دعى الملك امرأته و ابنته فأجلسهما من وراء الحجاب خلفه فقال له الملك دعوتك لخير إن لى ابنة قد رغبت فيك أريد أن أزوجها منك فإن كنت مسكينا فأغنيناك و رفعناك و شرفناك قال الغلام ما لى فيما تدعونى إليه حاجة فإن شئت ضربت لك مثلا أيها الملك قال فافعل.

قال الغلام زعموا أن ملكا من الملوك كان له ابن و كان لابنه أصدقاء صنعوا له طعاما و دعوه إليه فخرج معهم فأكلوا و شربوا حتى سكروا فناموا فاستيقظ ابن الملك فى وسط الليل فذكر أهله فخرج عامدا إلى منزله و لم يوقظ أحدا منهم فبينا هو فى‏مسيره إذ بلغ منه الشراب فبصر بقبر على الطريق فظن أنه مدخل بيته فدخله فإذا هو بريح الموتى فحسب ذلك لما كان به السكر أنه رياح طيبة فإذا هو بعظام لا يحسبها إلا فرشه الممهدة فإذا هو بجسد قد مات حديثا و قد أروح فحسبه أهله فقام إلى جانبه فاعتنقه و قبله و جعل يعبث به عامة ليله فأفاق حين أفاق و نظر حين نظر فإذا هو على جسد ميت و ريح منتنة قد دنس ثيابه و جلده و نظر إلى القبر و ما فيه من الموتى فخرج و به من السوء ما يختفى به من الناس أن ينظروا إليه متوجها إلى باب المدينة فوجده مفتوحا فدخله حتى أتى أهله فرأى أنه قد أنعم عليه حيث لم يلقه أحد فألقى عنه ثيابه تلك و اغتسل و لبس لباسا أخرى و تطيب.

عمرك الله أيها الملك أ تراه راجعا إلى ما كان فيه و هو يستطيع قال لا قال فإنى أنا هو فالتفت الملك إلى امرأته و ابنته و قال لهما قد أخبرتكما أنه ليس له فيما تدعونه رغبة قالت أمها لقد قصرت فى النعت لابنتى و الوصف لها أيها الملك و لكنى خارجة إليه و مكلمة له فقال الملك للغلام إن امرأتى تريد أن تكلمك و تخرج إليك و لم تخرج إلى أحد قبلك فقال الغلام لتخرج إن أحبت فخرجت و جلست فقالت للغلام تعال إلى ما قد ساق الله إليك من الخير و الرزق فأزوجك ابنتى فإنك لو قد رأيتها و ما قسم الله عز و جل لها من الجمال و الهيئة لاغتبطت فنظر الغلام إلى الملك فقال أ فلا أضرب لك مثلا قال بلى.

قال إن سراقا تواعدوا أن يدخلوا خزانة الملك ليسرقوا فنقبوا حائط الخزانة فدخلوها فنظروا إلى متاع لم يروا مثله قط و إذا هم بقلة من ذهب مختومة بالذهب فقالوا لا نجد شيئا أعلى من هذه القلة هى ذهب مختومة بالذهب و الذى فيها أفضل من الذى رأينا فاحتملوها و مضوا بها حتى دخلوا غيضة لا يأمن بعضهم بعضا عليها ففتحوها فإذا فى وسطها أفاع فوثبن فى وجوههم فقتلتهم أجمعين.

عمرك الله أيها الملك أ فترى أحدا علم بما أصابهم و ما لقوه يدخل يده فى تلك القلة و فيها من الأفاعى قال لا قال فإنى أنا هو فقالت الجارية لأبيها ائذن لى فأخرج إليه بنفسى و أكلمه فإنه لو قد نظر إلى و إلى جمالى و حسنى و هيئتى و ما قسم الله عز و جل لى من الجمال لم يتمالك أن يجيب فقال الملك للغلام إن ابنتى تريد أن تخرج إليك و لم تخرج إلى رجل قط قال لتخرج إن أحبت فخرجت عليه و هى‏أحسن الناس وجها و قدا و طرفا و هيكلا فسلمت على الغلام و قالت للغلام هل رأيت مثلى قط أو أتم أو أجمل أو أكمل أو أحسن و قد هويتك و أحببتك فنظر الغلام إلى الملك فقال أ فلا أضرب لها مثلا قال بلى.

قال الغلام زعموا أيها الملك أن ملكا له ابنان فأسر أحدهما ملك آخر فحبسه فى بيت و أمر أن لا يمر عليه أحد إلا رماه بحجر فمكث على ذلك حينا ثم إن أخاه قال لأبيه ائذن لى فأنطلق إلى أخى فأفديه و أحتال له قال الملك فانطلق و خذ معك ما شئت من مال و متاع و دواب فاحتمل معه الزاد و الراحلة و انطلق معه المغنيات و النوائح فلما دنا من مدينة ذلك الملك أخبر الملك بقدومه فأمر الناس بالخروج إليه و أمر له بمنزل خارج من المدينة فنزل الغلام فى ذلك المنزل فلما جلس فيه و نشر متاعه و أمر غلمانه أن يبيعوا الناس و يساهلوهم فى بيعهم و يسامحوهم ففعلوا ذلك فلما رأى الناس قد شغلوا بالبيع انسل و دخل المدينة و قد علم أين سجن أخيه ثم أتى السجن فأخذ حصاة فرمى بها لينظر ما بقى من نفس أخيه فصاح حين أصابته الحصاة و قال قتلتنى ففزع الحرس عند ذلك و خرجوا إليه و سألوه لم صحت و ما شأنك و ما بدا لك و ما رأيناك تكلمت و نحن نعذبك منذ حين و يضربك و يرميك كل من يمر بك بحجر و رماك هذا الرجل بحصاة فصحت منها فقال إن الناس كانوا من أمرى على جهالة و رمانى هذا على علم فانصرف أخوه راجعا إلى منزله و متاعه و قال للناس إذا كان غدا فأتونى‏أنشر عليكم بزا و متاعا لم تروا مثله قط فانصرفوا يومئذ حتى إذا كان من الغد غدوا عليه بأجمعهم فأمر بالبز فنشروا و أمر بالمغنيات و النائحات و كل صنف معه مما يلهى به الناس فأخذوا فى شأنهم فاشتغل الناس فأتى أخاه فقطع عنه أغلاله و قال أنا أداويك فاختلسه و أخرجه من المدينة فجعل على جراحاته دواء كان معه حتى إذا وجد راحة أقامه على الطريق ثم قال له انطلق فإنك ستجد سفينة قد سيرت لك فى البحر فانطلق سائرا فوقع فى جب فيه تنين و على الجب شجرة نابتة فنظر إلى الشجرة فإذا على رأسها اثنا عشر غولا و فى أسفلها اثنا عشر سيفا و تلك السيوف مسلولة معلقة فلم يزل يتحمل و يحتال حتى أخذ بغصن من الشجرة فتعلق به و تخلص و سار حتى أتى البحر فوجد سفينة قد أعدت له إلى جانب الساحل فركب فيها حتى أتوا به أهله.

عمرك الله أيها الملك أ تراه عائدا إلى ما قد عاين و لقى قال لا قال فإنى أنا هو فيئسوا منه فجاء الغلام الذى صحبه من المدينة فساره و قال اذكرنى لها و أنكحنيها فقال الغلام للملك إن هذا يقول إنى أحب الملك أن ينكحنيها فقال لا أفعل قال أ فلا أضرب لك مثلا قال بلى.

قال إن رجلا كان فى قوم فركبوا سفينة فساروا فى البحر ليالى و أياما ثم انكسرت سفينتهم بقرب جزيرة فى البحر فيها الغيلان فغرقوا كلهم سواه و ألقاه البحر إلى الجزيرة و كانت الغيلان يشرفن من الجزيرة إلى البحر فأتى غولا فهويها و نكحها حتى إذا كان مع الصبح قتلته و قسمت أعضاءه بين صواحباتها و اتفق مثل ذلك لرجل آخر فأخذته ابنة ملك الغيلان فانطلقت به فبات معها ينكحها و قد علم الرجل ما لقى من كان قبله فليس ينام حذرا حتى إذا كان مع الصبح نامت الغول فانسل الرجل حتى أتى الساحل فإذا هو بسفينة فنادى أهلها و استغاث بهم فحملوه حتى أتوا به أهله فأصبحت الغيلان فأتوا الغولة التى باتت معه فقالوا لها أين الرجل الذى بات معك قالت إنه قد فر منى فكذبوها و قالوا أكلتيه و استأثرتى به علينا فلنقتلنك إن لم تأتنا به فمرت فى الماء حتى أتته فى منزله و رحله فدخلت عليه و جلست عنده و قالت له ما لقيت فى‏سفرك هذا قال لقيت بلاء خلصنى الله منه و قص عليها ذلك فقالت و قد تخلصت قال نعم فقالت أنا الغولة و جئت لآخذك فقال لها أنشدك الله أن تهلكينى فإنى أدلك على مكان رجل قالت إنى أرحمك فانطلقا حتى إذا دخلا على الملك قالت اسمع منا أصلح الله الملك إنى تزوجت بهذا الرجل و هو من أحب الناس إلى ثم إنه كرهنى و كره صحبتى‏فانظر فى أمرنا فلما رآها الملك أعجبه جمالها فخلا بالرجل فساره و قال له إنى قد أحببت أن تتركها فأتزوجها قال نعم أصلح الله الملك ما تصلح إلا لك فتزوج بها الملك و بات معها حتى إذا كانت مع السحر ذبحته و قطعت أعضاءه و حملته إلى صواحباتها أ فترى أيها الملك أحدا يعلم بهذا ثم ينطلق إليه قال لا قال الخاطب للغلام فإنى لا أفارقك و لا حاجة لى فيما أردت.

فخرجا من عند الملك يعبدان الله جل جلاله و يسيحان فى الأرض فهدى الله عز و جل بهما أناسا كثيرا و بلغ شأن الغلام و ارتفع ذكره فى الآفاق فذكر والده و قال لو بعثت إليه فاستنقذته مما هو فيه فبعث إليه رسولا فأتاه فقال له إن ابنك يقرئك السلام و قص عليه خبره و أمره فأتاه والده و أهله فاستنقذهم مما كانوا فيه.

ثم إن بلوهر رجع إلى منزله و اختلف إلى يوذاسف أياما حتى عرف أنه قد فتح له الباب و دله على سبيل الصواب ثم تحول من تلك البلاد إلى غيرها و بقى يوذاسف حزينا مغتما فمكث بذلك حتى بلغ وقت خروجه إلى النساك لينادى بالحق و يدعو إليه أرسل الله عز و جل ملكا من الملائكة فلما رأى منه خلوة ظهر له و قام بين يديه ثم قال له لك الخير و السلامة أنت إنسان بين البهائم الظالمين الفاسقين من الجهال أتيتك بالتحية من الحق و إله الخلق بعثنى إليك لأبشرك و أذكر لك ما غاب عنك من أمور دنياك و آخرتك فاقبل بشارتى و مشورتى و لا تغفل عن قولى‏اخلع عنك الدنيا و انبذ عنك شهواتها و ازهد فى الملك الزائل و السلطان الفانى الذى لا يدوم و عاقبته الندم و الحسرة و اطلب الملك الذى لا يزول و الفرح الذى لا ينقضى و الراحة التى لا يتغير و كن صديقا مقسطا فإنك تكون إمام الناس تدعوهم إلى الجنة.

فلما سمع يوذاسف كلامه خر بين يدى‏الله عز و جل ساجدا و قال إنى لأمر الله تعالى مطيع و إلى وصيته منته فمرنى بأمرك فإنى لك حامد و لمن بعثك إلى‏شاكر فإنه رحمنى و رءوف بى و لم يرفضنى بين الأعداء فإنى كنت بالذى أتيتنى به مهتما قال الملك إنى أرجع إليك بعد أيام ثم أخرجك فتهيأ لذلك و لا تغفل عنه فوطن يوذاسف نفسه على الخروج و جعل همته كله فيه و لم يطلع على ذلك أحدا حتى إذا جاء وقت خروجه أتاه الملك فى‏جوف الليل و الناس نيام فقال له قم فاخرج و لا تؤخر ذلك فقام و لم يفش سره إلى أحد من الناس غير وزيره فبينا هو يريد الركوب إذا أتاه رجل شاب جميل كان قد ملكهم بلاده فسجد له.

و قال أين تذهب يا ابن الملك و قد أصابنا العسر أيها المصلح الحكيم الكامل و تتركنا له و تترك ملكك و بلادك أقم عندنا فإنا كنا منذ ولدت فى رخاء و كرامة و لم تنزل بنا عاهة و لا مكروه فسكته يوذاسف و قال له امكث أنت فى بلادك و دار أهل مملكتك فأما أنا فذاهب حيث بعثت و عامل ما أمرت به فإن أنت أعنتنى كان لك فى عملى نصيبا.

ثم إنه ركب فسار ما قضى الله له أن يسير ثم إنه نزل عن فرسه و وزيره يقود فرسه و يبكى أشد البكاء و يقول ليوذاسف بأى وجه أستقبل أبويك و بما أجيبهما عنك و بأى عذاب أو موت يقتلانى و أنت كيف تطيق العسر و الأذى الذى لم تتعوده و كيف لا تستوحش و أنت لم تكن وحدك يوما قط و جسدك كيف تحمل الجوع و الظمأ و التقلب على الأرض و التراب فسكته و عزاه و وهب له فرسه و المنطقة فجعل يقبل قدميه و يقول لا تدعنى وراءك يا سيدى اذهب بى معك حيث خرجت فإنه لا كرامة لى بعدك و إنك إن تركتنى و لم تذهب بى معك أخرج فى الصحراء و لم أدخل مسكنا فيه إنسان أبدا فسكته أيضا و عزاه و قال لا تجعل فى نفسك إلا خيرا فإنى باعث إلى الملك و موصيه فيك أن يكرمك و يحسن إليك.

ثم نزع عنه لباس الملك و دفعه إلى وزيره و قال له البس ثيابى و أعطاه الياقوتة التى كان يجعلها فى‏رأسه و قال له انطلق بها معك و فرسى و إذا أتيته فاسجد له و أعطه هذه الياقوتة و أقرئه السلام ثم الأشراف و قل لهم إنى‏لما نظرت فيما بين الباقى و الزائل رغبت فى الباقى و زهدت فى الزائل و لما استبان لى أصلى و حسبى و فصلت بينهما و بين الأعداء و الأقرباء رفضت الأعداء و الأقرباء و انقطعت إلى أصلى و حسبى فأما والدى فإنه إذا أبصر الياقوتة طابت نفسه فإذا أبصر كسوتى عليك ذكرنى و ذكر حبى لك و مودتى‏إياك فمنعه ذلك أن يأتى إليك مكروها.

ثم رجع وزيره و تقدم يوذاسف أمامه يمشى حتى بلغ فضاء واسعا فرفع رأسه فرأى شجرة عظيمة على عين من ماء أحسن ما يكون من الشجر و أكثرها فرعا و غصنا و أحلاها ثمرا و قد اجتمع إليها من الطير ما لا يعد كثرة فسر بذلك المنظر و فرح به و تقدم إليه حتى دنا منه و جعل يعبره فى نفسه و يفسره فشبه الشجر بالبشرى التى دعا إليها و عين الماء بالحكمة و العلم و الطير بالناس الذين يجتمعون إليه و يقبلون منه الدين فبينا هو قائم إذا أتاه أربعة من الملائكة (ع) يمشون بين يديه فاتبع آثارهم حتى رفعوه فى جو السماء و أوتى من العلم و الحكمة ما عرف به الأولى و الوسطى و الأخرى و الذى هو كائن ثم أنزلوه إلى الأرض و قرنوا معه قرينا من الملائكة الأربعة فمكث فى تلك البلاد حينا ثم إنه أتى أرض سولابط فلما بلغ والده قدومه خرج يسير هو و الأشراف فأكرموه و قربوه و اجتمع إليه أهل بلده مع ذوى قرابته و حشمه و قعدوا بين يديه و سلموا عليه و كلمهم الكلام الكثير و فرش لهم الأساس و قال لهم

اسمعوا إلى بأسماعكم و فرغوا إلى قلوبكم لاستماع حكمة الله عز و جل التى هى نور الأنفس و ثقوا بالعلم الذى هو الدليل على سبيل الرشاد و أيقظوا عقولكم و افهموا الفصل الذى بين الحق و الباطل و الضلال و الهدى

و اعلموا أن هذا هو دين الحق الذى أنزله الله عز و جل على الأنبياء و الرسل (ع) و القرون الأولى فخصنا الله عز و جل به فى هذا القرن برحمته بنا و رأفته و رحمته و تحننه علينا و فيه خلاص من نار جهنم إلا أنه لا ينال الإنسان ملكوت السماوات و لا يدخلها أحد إلا بالإيمان و عمل الخير فاجتهدوا فيه لتدركوا به الراحة الدائمة و الحياة التى لا تنقطع أبدا و من آمن منكم بالدين فلا يكونن إيمانه طمعا فى الحياة و رجاء لملك الأرض و طلب مواهب الدنيا و ليكن إيمانكم بالدين طمعا فى ملكوت السماوات و رجاء للخلاص و طلب النجاة من الضلالة و بلوغ الراحة و الفرج فى الآخرة فإن ملك الأرض و سلطانها زائل و لذاتها منقطعة فمن اغتر بها هلك و افتضح لو قد وقف على ديان الدين الذى لا يدين إلا بالحق فإن الموت مقرون مع أجسادكم و هو يتراصد أرواحكم أن يكبكبها مع الأجساد.

و اعلموا أنه كما أن الطير لا يقدر على الحياة و النجاة من الأعداء من اليوم إلى غد إلا بقوة من البصر و الجناحين و الرجلين فكذلك الإنسان لا يقدر على الحياة و النجاة إلا بالعمل و الإيمان و العمل الصالح و أفعال الخير الكاملة فتفكر أيها الملك أنت و الأشراف فيما تسمعون و افهموا و اعتبروا و اعبروا البحر ما دامت السفينة و اقطعوا المفازة ما دام الدليل و الظهر و الزاد و اسلكوا سبيلكم ما دام المصباح و أكثروا من كنوز البر مع النساك و شاركوهم فى الخير و العمل الصالح و أصلحوا التبع و كونوا لهم أعوانا و مروهم بأعمالكم لينزلوا معكم ملكوت النور و اقبلوا النور و احتفظوا بفرائضكم و إياكم أن تتوثقوا إلى أمانى الدنيا و شرب الخمور و شهوة النساء من كل ذميمة و قبيحة مهلكة للروح و الجسد و اتقوا الحمية و الغضب و العداوة و النميمة و ما لم ترضوه أن يؤتى إليكم فلا تأتوه إلى أحد و كونوا طاهرى القلوب صادقى النيات لتكونوا على المنهاج إذا أتاكم الأجل.

ثم انتقل من أرض سولابط و سار فى‏بلاد و مدائن كثيرة حتى أتى أرضا تسمى قشمير فسار فيها و أحيا ميتها و مكث حتى أتاه الأجل الذى خلع الجسد و ارتفع إلى النور و دعا قبل موته تلميذا له اسمه أيابذ الذى كان يخدمه و يقوم عليه و كان رجلا كاملا فى الأمور كلها و أوصى إليه و قال إنه قد دنا ارتفاعى عن الدنيا و احتفظوا بفرائضكم و لا تزيغوا عن الحق و خذوا بالتنسك ثم أمر أيابذ أن يبنى له مكانا فبسط هو رجليه و هيأ رأسه إلى المغرب و وجهه إلى المشرق ثم قضى نحبه.

قال مصنف هذا الكتاب ليس هذا الحديث و ما شاكله من أخبار المعمرين و غيرهم مما أعتمده فى أمر الغيبة و وقوعها لأن الغيبة إنما صحت لى بما صح عن النبى (ص) و الأئمة (ع) من ذلك بالأخبار التى بمثلها صح الإسلام و شرائعه و أحكامه و لكنى أرى الغيبة لكثير من أنبياء الله و رسله (ص) و لكثير من الحجج بعدهم (ع) و لكثير من الملوك الصالحين من قبل الله تبارك و تعالى و لا أجد لها منكرا من مخالفينا و جميعها فى الصحة من طريق الرواية دون ما قد صح بالأخبار الكثيرة الواردة الصحيحة عن النبى و الأئمة (ص) فى أمر القائم الثانى عشر من الأئمة (ع) و غيبته حتى يطول الأمد و تقسو القلوب و يقع اليأس من ظهوره ثم يطلعه الله و تشرق الأرض بنوره و يرتفع الظلم و الجور بعدله فليس فى التكذيب بذلك مع الإقرار بنظائره إلا القصد إلى إطفاء نور الله و إبطال دينه و يأبى الله إلا أن يتم نوره و يعلى كلمته و يحق الحق و يبطل الباطل و لو كره المخالفون المكذبون بما وعد الله الصالحين على لسان خير النبيين صلوات الله عليه و على آله الطاهرين.

و لإيرادى هذا الحديث و ما يشاكله فى هذا الكتاب معنى آخر و هو أن جميع أهل الوفاق و الخلاف يميلون إلى مثله من الأحاديث فإذا ظفروا به من هذا الكتاب حرصوا على الوقوف على سائر ما فيه فهم بالوقوف عليه من بين منكر و ناظر و شاك و مقر فالمقر يزداد به بصيرة و المنكر تتأكد عليه من الله الحجة و الواقف الشاك يدعوه وقوفه بين الإقرار و الإنكار إلى البحث و التنقيب إلى أمر الغائب و غيبته فترجى له الهداية لأن الصحيح من الأمور لا يزيده البحث و التنقيب إلا تأكيدا كالذهب الذى كلما دخل النار ازداد صفاء و جودة.

و قد غيب الله تبارك و تعالى اسمه الأعظم الذى إذا دعى به أجاب و إذا سئل به أعطى فى أوائل سور من القرآن.

فقال عز و جل الم و المر و الر و المص و كهيعص و حم عسق و طسم و طس و يس و ما أشبه ذلك لعلتين إحداهما أن الكفار و المشركين كانت أعينهم فى غطاء عن ذكر الله و هو النبى (ص) بدليل قوله عز و جل أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا و كانوا لا يستطيعون للقرآن سمعا فأنزل الله عز و جل أوائل سور منه اسم الأعظم بحروف مقطوعة هى من حروف كلامهم و لغتهم و لم تجر عادتهم بذكرها مقطوعة فلما سمعوها تعجبوا منها و قالوا نسمع ما بعدها تعجبا فاستمعوا إلى ما بعدها فتأكدت الحجة على المنكرين و ازداد أهل الإقرار به بصيرة و توقف الباقون شكاكا لا همة لهم إلا البحث عما شكوا فيه و فى‏البحث الوصول إلى الحق و العلة الأخرى فى إنزال أوائل هذه السور بالحروف المقطوعة ليخص بمعرفتها أهل العصمة و الطهارة فيقيمون بها الدلائل و يظهرون بها المعجزات و لو عم الله تعالى بمعرفتها جميع الناس لكان فى ذلك ضد الحكمة و فساد التدبير و كان لا يؤمن من غير المعصوم أن يدعو بها على نبى مرسل أو مؤمن ممتحن ثم لا يجوز أن يقع الإجابة بها مع وعده و اتصافه بأنه لا يخلف الميعاد على أنه يجوز أن يعطى المعرفة ببعضها من يجعله عبرة لخلقه متى تعدى فيها حده كبلعم بن باعوراء حين أراد أن يدعو على كليم الله موسى بن عمران (ع) فأنسى ما كان أوتى من الاسم فانسلخ منها و ذلك قول الله عز و جل فى كتابه وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى‏آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ و إنما فعل عز و جل ذلك ليعلم الناس أنه ما اختص بالفضل إلا من علم أنه مستحق للفضل و أنه لو عم لجاز منهم وقوع ما وقع من بلعم.

و إذا جاز أن يغيب الله عز و جل اسمه الأعظم فى الحروف المقطوعة فى كتابه الذى هو حجته و كلامه فكذلك جائز أن يغيب حجته فى الناس عن عباده المؤمنين و غيرهم لعلمه عز و جل أنه متى أظهره وقع من أكثر الناس التعدى لحدود الله فى شأنه فيستحقون بذلك القتل فإن قتلهم لم يجز و فى أصلابهم مؤمنون و إن لم يقتلهم لم يجز و قد استحقوا القتل. فالحكمة للغيبة فى مثل هذه الحالة موجبة فإذا تزيلوا و لم يبق فى أصلابهم مؤمن أظهره الله عز و جل فخسف بأعدائه و أبادهم أ لا ترى المحصنة إذا زنت و هى‏حبلى لم ترجم حتى تضع ولدها و ترضعه إلا أن يتكفل برضاعه رجل من المسلمين فهذا سبيل من فى صلبه مؤمن إذا وجب عليه القتل لم يقتل حتى يزايله و لا يعلم ذلك إلا من يكون حجة من قبل علام الغيوب و لهذا لا يقيم الحدود إلا هو و هذه هى العلة التى من أجلها ترك أمير المؤمنين (ع) مجاهدة أهل الخلاف خمسا و عشرين سنة بعد رسول الله (ص).

حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضى الله عنه قال حدثنا الحسين بن محمد بن عامر عن عمه عبد الله بن عامر عن محمد بن أبى عمير عمن ذكره عن أبى عبد الله (ع) قال قلت له ما بال أمير المؤمنين (ع) لم يقاتل مخالفيه فى الأول قال لآية فى‏كتاب الله تعالى لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً قال قلت و ما يعنى بتزايلهم قال ودائع مؤمنون فى‏أصلاب قوم كافرين

و كذلك القائم (ع) لم يظهر أبدا حتى تخرج ودائع الله عز و جل فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله عز و جل فقتلهم

حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوى رضى الله عنه قال حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه عن على بن محمد عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن إبراهيم الكرخى قال قلت لأبى عبد الله (ع) أو قال له رجل أصلحك الله أ لم يكن على (ع) قويا فى دين الله عز و جل قال بلى قال فكيف ظهر عليه القوم و كيف لم يدفعهم و ما يمنعه من ذلك قال آية فى كتاب الله عز و جل منعته قال قلت و أية آية هى قال قوله عز و جل لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً إنه كان لله عز و جل ودائع مؤمنون فى أصلاب قوم كافرين و منافقين فلم يكن على (ع) ليقتل الآباء حتى يخرج الودائع فلما خرجت الودائع ظهر على من ظهر فقاتله و كذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتى تظهر ودائع الله عز و جل فإذا ظهرت ظهر على من يظهر فقتله

حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر السمرقندى العلوى رضى‏الله عنه قال حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه قال حدثنا جبرئيل بن أحمد قال حدثنى محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن عن منصور بن حازم عن أبى‏عبد الله (ع) فى قول الله عز و جل لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً لو أخرج الله عز و جل ما فى أصلاب المؤمنين من الكافرين و ما فى أصلاب الكافرين من المؤمنين لعذب الذين كفروا

تتمة باب المعمرين

و حدثنا أبو الحسن على بن عبد الله بن أحمد الفقيه الأسوارى‏بإيلاق قال حدثنا مكى بن أحمد البرذعى قال سمعت إسحاق بن إبراهيم الطرسوسى يقول و كان قد أتى عليه سبع و تسعون سنة على باب يحيى بن منصور قال رأيت سربانك ملك الهند فى بلدة تسمى قنوج فسألناه كم أتى عليك من السنين فقال تسعمائة سنة و خمس و عشرون سنة و هو مسلم و زعم أن النبى (ص) أنفذ إليه عشرة من أصحابه فيهم حذيفة بن اليمان و عمرو بن العاص و أسامة بن زيد و أبو موسى الأشعرى و صهيب الرومى و سفينة و غيرهم يدعونه إلى الإسلام فأجاب و أسلم و قبل كتاب النبى (ص) فقلت له كيف تصلى مع هذا الضعف فقال لى قال الله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ الآية فقلت له و ما طعامك فقال آكل ماء اللحم و الكراث و سألته هل يخرج منك شى‏ء فقال فى كل أسبوع مرة شى‏ء يسير قال و سألته عن أسنانه فقال أبدلتها عشرين مرة و رأيت له فى إصطبله شيئا من الدواب أكبر من الفيل يقال له زند فيل فقلت له و ما تصنع بهذا قال يحمل بها ثياب الخدم إلى القصار و مملكته مسيرة أربع سنين فى مثلها و مدينته طولها خمسون فرسخا فى مثلها و على كل باب منها عسكر فى مائة ألف و عشرين ألفا إذا وقع فى أحد من تلك الأبواب حدث خرجت تلك الفرقة إلى الحرب لا يستعان بغيرها و هو فى وسط المدينة و سمعته يقول دخلت المغرب فبلغت إلى الرمل رمل العالج و صرت إلى قوم موسى (ع) فرأيت سطوح بيوتهم مستوية و بيدر الطعام خارج القرية يأخذون منه القوت و الباقى يتركونه هناك و قبورهم فى دورهم و بساتينهم من المدينة على فرسخين ليس فيهم شيخ و لا شيخة و لم أر فيهم علة و لا يعتلون إلى أن يموتوا و لهم أسواق إذا أراد إنسان منهم شراء شى‏ء صار إلى السوق فوزن لنفسه و أخذ ما يصيبه و صاحبه غير حاضر و إذا أرادوا الصلاة حضروا فصلوا و انصرفوا لا يكون بينهم خصومة أبدا و لا كلام يكره إلا ذكر الله عز و جل و الصلاة و ذكر الموت.

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله فإذا كان جاز عند مخالفينا مثل هذه الحال لسربانك ملك الهند فينبغى أن لا يحيلوا مثل ذلك فى حجة الله فى التعمير و لا قوة إلا بالله.