كمال الدين و تمام النعمه ، جلد۲

شيخ صدوق ابى جعفر محمد بن على بن الحسين قمى قدس سره
مترجم: منصور پهلوان

- ۲۲ -


وصيت اكثم بن صيفى در هنگام وفات:

اكثم در هنگام وفات فرزندانش را گرد آورد و گفت: اى فرزندان من روزگار درازى بر من گذشته است و من پيش از مرگ خود توشه‏اى به شما مى‏دهم:

شما را به تقواى الهى و صله رحم سفارش مى‏كنم و بر شما باد كه نيكى كنيد كه آن نيكى عدد را بيفزايد و ريشه را نابود نسازد و شاخه را در هم نشكند، شما را از معصيت خداوند و قطع رحم باز مى‏دارم كه با وجود آن اصل و فرعى ثابت نمى‏ماند، زبانتان را نگاه داريد كه زبان سرخ سر سبز مى‏دهد بر باد، گفتار حق، دوستى براى من باقى نگذاشته است، گردنهاى شتر را منظور داريد و آن را جز در مواقع لازم بر زمين ننهيد كه در آن مهر دختران و مايه جلوگيرى از خونريزى است و بر شما باد كه از ازدواج كردن با زنان احمق بپرهيزيد كه از ازدواج با احمق پليدى و فرزند او تباه است، اقتصاد در سفر حفظ كننده‏تر است، و كسى كه بر آنچه از دست داده اندوهگين نشود بدنش را صيانت كرده است و كسى كه به آنچه دارد قانع باشد خوسحال خواهد بود و پيش از پشيمانى بايد پيشى گرفت، اگر در سر كارى باشم بهتر از آن است كه بر سر دم آن باشم، كسى كه قدر خود را شناخت هلاك نشود، و بى‏تابى نزد بلا آفت تجمل است، مالى كه بدان پندگيرى از تو زايل نشده است، واى بر عالمى كه از جهل خود ايمن باشد، تنهايى عبارت از رفتن بزرگان است، امور وقتى پيش مى‏آيد با يكديگر متشابه است و چون مى‏رود زيرك و احمق هر دو آن را مى‏شناسد، خوش گذرانى هنگام فراوانى نعمت حماقت است، و عزت در طلب معالى است، و از سود كم خشمناك نشويد كه آن سود بسيار را جلب مى‏كند، تا از شما پرسش نشود پاسخ نگوييد، و بر چيزى كه خنده ندارد نخنديد، در دنيا با يكديگر نيكى كنيد نه دشمنى، حسد از نزديكى برخيزد كه كسانى كه با يكديگر جمع مى‏شوند نهادشان به جوش آيد، در دوستى بعضى با بعضى ديگر نزديكى مى‏كنند، به خويشاوندى اتكال نكنيد كه جدا خواهيد شد، قريب كسى است كه جانش نزديك باشد و بر شما باد كه در اصلاح مال خود بكوشيد و اموال جز به اصلاح شما به صلاح نيايد، و هيچ يك از شما بر مال برادرش اتكال نكند و آن را قضاى حاجت خود نداند كه كسى كه چنين كند مانند آن است كه بر آب چنگ مى‏زند، و هر كس بى‏نيازى پيشه سازد نزد كسان خود گرامى شود و اسب را گرامى داريد، سرگرم شدن با آزادگان غزل خوان نيكوست و صبر چاره بيچارگان است.

و قرده بن ثعلبه يكصد و سى سال در دوران جاهليت زيست، سپس اسلام را درك كرد و به شرف مسلمانى نايل آمد.

و مصادبن جناب يكصد و چهل سال زندگانى كرد.

و قس بن ساعده ايادى ششصد سال زيست و او همان كسى است كه مى‏گويد:

جوانى و عمرت چو فانى شود   دگر برنگردد به اى كاش باز
چو رودى كه از كوه آيد به دشت   نيايد به قله به كنكاش باز

و لبيد در اين باره گفته است:

ز قس مانده است اين سخن يادگار   كه اى كاش مى بودمى ماندگار

و حارث بن كعب دويست و شصت سال زندگانى كرد.

مصنف اين كتاب رضى الله عنه گويد: اين اخبارى را كه درباره معمرين ذكر كردم مخالفين ما نيز از طريق محمد بن السائب و محمد بن اسحاق وعوانه بن حكم و عيسى بن زيد و هيثم بن عدى روايت كرده‏اند.

و از پيامبر اكرم صلى الله عليه و آله و سلم روايت شده است كه فرمود: هر چه در امتهاى پيشين واقع شده است در اين امت نيز طابق النعل بالنعل و مو به مو واقع خواهد شد و اين دراز عمرى و غيبتها در حجتهاى الهى در قرون گذشته واقع شده است پس چگونه مى‏توان قائم عليه السلام را به واسطه غيبت و طول عمرش انكار كرد با وجود اخبارى كه در اين باب از پيامبر اكرم صلى الله عليه و آله و سلم و ائمه عليهم السلام وارد شده است و آن اخبار را با اسانيدش در اين كتاب ذكر كرده‏ام.

غياث بن ابراهيم از امام صادق از پدران بزرگوارشان عليهم السلام روايت كند كه پيامبر اكرم صلى الله عليه و آله فرمود: هر چه كه در امتهاى پيشين واقع شده است در اين امت نيز طابق النعل بالنعل و مو به مو واقع خواهد شد.

جعفر بن محمد عماره از امام صادق از پدرش و از جدش عليهم السلام روايت كند كه رسول خدا صلى الله عليه و آله و سلم فرمودند: قسم به خدايى كه مرا به حق به عنوان پيامبر و بشير برانگيخت امت من نيز سنتهاى پيشينيان را طابق النعل بالنعل پيروى خواهند كرد حتى اگر در امت بنى اسرائيل مارى به سوراخى داخل شده باشد در اين امت نيز مارى به مانند آن داخل سوراخ خوهد شد.

سعيدبن جبير گويد: از امام زين العابدين عليه السلام شنيدم كه مى‏فرمود: در قائم عليه السلام سنتهايى از انبياء عليهم السلام است، سنتى از نوح و سنتى از ابراهيم و سنتى از موسى و سنتى از عيسى و سنتى از ايوب و سنتى از محمد صلوات الله عليهم اما از نوح طول عمر است و اما از ابراهيم ولادت نهانى و كناره‏گيرى از مردم است و اما از موسى خوف و غيبت است و اما از عيسى اختلاف مردم درباره اوست و اما از ايوب فرج بعد از شدت است و اما از محمد صلى‏الله عليه و آله قيام با شمشير است.

و چون عمر طولانى براى پيشينيان درست است و اخبار جارى بودن سنتها در قائم عليه السلام يا دوازدهمين ائمه عليهم السلام نيز درست است روا نبود كه به جز اين معتقد بود كه اگر تا به هر اندازه در غيبت بود جز او قائمى باشد و اگر جز يك روز از عمر دنيا باقى نمانده باشد خداوند آن روز را به قدرى طولانى گرداند تا او خروج كند و زمين را پر از عدل و داد نمايد همچنان كه آكنده از ظلم و جور شده باشد، چنانكه از پيامبر اكرم و ائمه پس از او نيز روايت شده است و اسلام حاصل نشود جز آنكه به روايات صحيحى كه از آنها وارد شده است تسليم بود، و لا حول الله و لا قوه الا بالله العلى العظيم.

و در دوره‏هاى گذشته هم هميشه جز اين نبوده است كه اهل دين و زهد و ورع خود را نهان مى‏كردند و كار خود را مى‏پوشانيدند و در هنگام امكان و امنيت ظاهر مى‏شدند و هنگام ناتوانى و خوف پنهان مى‏شدند و اين روش دنيا از آغاز تاكنون بوده است پس چگونه است كه تنها امر قائم عليه السلام در دوران غيبتش انكار شود؟ آيا اين جز به واسطه كفر و ضلالتى است كه در نفوس دشمنان دين و دشمنان پيامبر و ائمه عليهم السلام موجود است؟

حكاية بلوهر و بوذاسف

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال حدثنا الحسن بن على السكرى قال حدثنا محمد بن زكريا قال فقد بلغنى أن ملكا من ملوك الهند كان كثير الجند واسع المملكة مهيبا فى أنفس الناس مظفرا على الأعداء و كان مع ذلك عظيم النهمة فى شهوات الدنيا و لذاتها و ملاهيها مؤثرا لهواه مطيعا له و كان أحب الناس إليه و أنصحهم له فى نفسه من زين له حاله و حسن رأيه و أبغض الناس إليه و أغشهم له فى نفسه من أمره بغيرها و ترك أمره فيها و كان قد أصاب الملك فيها فى حداثة سنه و عنفوان شبابه و كان له رأى أصيل و لسان بليغ و معرفة بتدبير الناس و ضبطهم فعرف الناس ذلك منه فانقادوا له و خضع له كل صعب و ذلول و اجتمع له سكر الشباب و سكر السلطان و الشهوة و العجب ثم قوى ذلك ما أصاب من الظفر على من ناصبه و القهر لأهل مملكته و انقياد الناس له فاستطال على الناس و احتقرهم ثم ازداد عجبا برأيه و نفسه لما مدحه الناس و زينوا أمره عنده فكان لا همة له إلا الدنيا و كانت الدنيا له مؤاتية لا يريد منها شيئا إلا ناله غير أنه كان مئناثا لا يولد له ذكر و قد كان الدين فشا فى أرضه قبل ملكه و كثر أهله فزين له الشيطان عداوة الدين و أهله و أضر بأهل الدين فأقصاهم مخافة على ملكه و قرب أهل الأوثان و صنع لهم أصناما من ذهب و فضة و فضلهم و شرفهم و سجد لأصنامهم.

فلما رأى الناس ذلك منه سارعوا إلى عبادة الأوثان و الاستخفاف بأهل الدين ثم إن الملك سأل يوما عن رجل من أهل بلاده كانت له منه منزلة حسنة و مكانة رفيعة و كان أراد ليستعين به على بعض أموره و يحبه و يكرمه فقيل له أيها الملك إنه قد خلع الدنيا و خلا منها و لحق بالنساك فثقل ذلك على الملك و شق عليه ثم إنه أرسل إليه فأتى به فلما نظر إليه فى زى النساك و تخشعهم زبره و شتمه و قال له بينا أنت من عبيدى و عيون أهل مملكتى و وجههم و أشرافهم إذ فضحت نفسك و ضيعت أهلك و مالك و اتبعت أهل البطالة و الخسارة حتى صرت ضحكة و مثلا و قد كنت أعددتك لمهم أمورى و الاستعانة بك على ما ينوبنى فقال له أيها الملك إنه إن لم يكن لى عليك حق فلعقلك عليك حق فاستمع قولى بغير غضب ثم أمر بما بدا لك بعد الفهم و التثبيت فأن الغضب عدو العقل و لذلك يحول بين صاحبه و بين الفهم قال له الملك قل ما بدا لك.

قال الناسك فإنى‏أسألك أيها الملك أ فى ذنبى على نفسى عتبت على أم فى ذنب منى‏إليك سالف؟

قال الملك إن ذنبك إلى نفسك أعظم الذنوب عندى و ليس كلما أراد رجل من رعيتى أن يهلك نفسه أخلى بينه و بين ذلك و لكنى أعد إهلاكه نفسه كإهلاكه لغيره ممن أنا وليه و الحاكم عليه و له فأنا أحكم عليك لنفسك و آخذ لها منك إذ ضيعت أنت ذلك فقال له الناسك أراك أيها الملك لا تأخذنى إلا بحجة و لا نفاذ لحجة إلا عند قاض و ليس عليك من الناس قاض لكن عندك قضاة و أنت لأحكامهم منفذ و أنا ببعضهم راض و من بعضهم مشفق.

قال الملك و ما أولئك القضاة قال أما الذى أرضى قضاءه فعقلك و أما الذى أنا مشفق منه فهواك قال الملك قل ما بدا لك و أصدقنى خبرك و متى كان هذا رأيك و من أغواك قال أما خبرى فإنى كنت سمعت كلمة فى حداثة سنى وقعت فى‏قلبى‏فصارت كالحبة المزروعة ثم لم تزل تنمى حتى صارت شجرة إلى ما ترى و ذلك أنى كنت قد سمعت قائلا يقول يحسب الجاهل الأمر الذى هو لا شى‏ء شيئا و الأمر الذى هو الشى‏ء لا شى‏ء و من لم يرفض الأمر الذى هو لا شى‏ء لم ينل الأمر الذى هو الشى‏ء و من لم يبصر الأمر الذى هو الشى‏ء لم تطب نفسه برفض الأمر الذى هو لا شى‏ء و الشى‏ء هو الآخرة و اللاشى‏ء هو الدنيا فكان لهذه الكلمة عندى قرار لأنى وجدت الدنيا حياتها موتا و غناها فقرا و فرحها ترحا و صحتها سقما و قوتها ضعفا و عزها ذلا و كيف لا تكون حياتها موتا و إنما يحيا فيها صاحبها ليموت و هو من الموت على يقين و من الحياة على قلعة و كيف لا يكون غناؤها فقرا و ليس يصيب أحد منها شيئا إلا احتاج لذلك الشى‏ء إلى شى‏ء آخر يصلحه و إلى أشياء لا بد له منها

و مثل ذلك أن الرجل ربما يحتاج إلى دابة فإذا أصابها احتاج إلى علفها و قيمها و مربطها و أدواتها ثم احتاج لكل شى‏ء من ذلك إلى شى‏ء آخر يصلحه و إلى أشياء لا بد له منها فمتى تنقضى‏حاجة من هو كذلك و فاقته و كيف لا يكون فرحها ترحا و هى مرصدة لكل من أصاب منها قرة عين أن يرى من ذلك الأمر بعينه أضعافه من الحزن إن رأى سرورا فى ولده فما ينتظر من الأحزان فى موته و سقمه و جائحة إن أصابته أعظم من سروره به و إن رأى السرور فى مال فما يتخوف من التلف أن يدخل عليه أعظم من سروره بالمال فإذا كان الأمر كذلك فأحق الناس بأن لا يتلبس بشى‏ء منها لمن عرف هذا منها و كيف لا يكون صحتها سقما و إنما صحتها من أخلاطها و أصح أخلاطها و أقربها من الحياة الدم و أظهر ما يكون الإنسان دما أخلق ما يكون صاحبه بموت الفجأة و الذبحة و الطاعون و الآكلة و البرسام و كيف لا يكون قوتها ضعفا و إنما تجمع القوى فيها ما يضره و يوبقه و كيف لا يكون عزها ذلا و لم ير فيها عز قط إلا أورث أهله ذلا طويلا غير أن أيام العز قصيرة و أيام الذل طويلة فأحق الناس بذم الدنيا لمن بسطت له الدنيا فأصاب حاجته منها فهو يتوقع كل يوم و ليلة و ساعة و طرفة عين أن يعدى على ماله فيجتاح و على حميمه فيختطف و على جمعه فينهب و أن يؤتى بنيانه من القواعد فيهدم و أن يدب الموت إلى حشده فيستأصل و يفجع بكل ما هو به ضنين.

فأذم إليك أيها الملك الدنيا الآخذة ما تعطى و المورثة بعد ذلك التبعة السلابة من تكسو و المورثة بعد ذلك العرى‏المواضعة لمن ترفع و المورثة بعد ذلك الجزع التاركة لمن يعشقها و المورثة بعد ذلك الشقوة المغوية لمن أطاعها و اغتر بها الغدارة بمن ائتمنها و ركن إليها هى المركب القموص و الصاحب الخئون و الطريق الزلق و المهبط المهوى هى‏المكرمة التى لا تكرم أحدا إلا أهانته المحبوبة التى لا تحب أحدا الملزومة التى لا تلزم أحدا يوفى لها و تغدر و يصدق لها و تكذب و ينجز لها و تخلف هى المعوجة لمن استقام بها المتلاعبة بمن استمكنت منه بينا هى تطعمه إذ حولته مأكولا و بينا هى تخدمه إذ جعلته خادما و بينا هى‏تضحكه إذ ضحكت منه و بينا هى تشمته إذ شمتت منه و بينا هى تبكيه إذ بكت عليه و بينا هى قد بسطت يده بالعطية إذ بسطتها بالمسألة و بينا هو فيها عزيز إذ أذلته و بينا هو فيها مكرم إذ أهانته و بينا هو فيها معظم إذ صار محقورا و بينا هو رفيع إذ وضعته و بينا هى له مطيعة إذ عصته و بينا هو فيها مسرور إذ أحزنته و بينا هو فيها شبعان إذ أجاعته و بينا هو فيها حى إذ أماتته.

فأف لها من دار إذ كان هذا فعالها و هذه صفتها تضع التاج على رأسه غدوة و تعفر خده بالتراب عشية و تحلى‏الأيدى بأسورة الذهب عشية و تجعلها فى الأغلال غدوة و تقعد الرجل على السرير غدوة و ترمى به فى السجن عشية تفرش له الديباج عشية و تفرش له التراب غدوة و تجمع له الملاهى و المعازف غدوة و تجمع عليه النوائح و النوادب عشية تحبب إلى أهله قربه عشية و تحبب إليهم بعده غدوة تطيب ريحه غدوة و تنتن ريحه عشية فهو متوقع لسطواتها غير ناج من فتنتها و بلائها تمتع نفسه من أحاديثها و عينه من أعاجيبها و يده مملوءة من جمعها ثم تصبح الكف صفرا و العين هامدة ذهب ما ذهب و هوى ما هوى و باد ما باد و هلك ما هلك تجد فى كل من كل خلفا و ترضى بكل من كل بدلا تسكن دار كل قرن قرنا و تطعم سؤر كل قوم قوما تقعد الأراذل مكان الأفاضل و العجزة مكان الحزمة تنقل أقواما من الجدب إلى الخصب و من الرجلة إلى المركب و من البؤس إلى النعمة و من الشدة إلى الرخاء و من الشقاء إلى الخفض و الدعة حتى إذا غمستهم فى ذلك انقلبت بهم فسلبتهم الخصب و نزعت منهم القوة فعادوا إلى أبأس البؤس و أفقر الفقر و أجدب الجدب.

فأما قولك أيها الملك فى إضاعة الأهل و تركهم فإنى لم أضيعهم و لم أتركهم بل وصلتهم و انقطعت إليهم و لكنى كنت و أنا أنظر بعين مسحورة لا أعرف بها الأهل من الغرباء و لا الأعداء من الأولياء فلما انجلى عنى‏السحر استبدلت بالعين المسحورة عينا صحيحة و استبنت الأعداء من الأولياء و الأقرباء من الغرباء فإذا الذين كنت أعدهم أهلين و أصدقاء إخوانا و خلطاء إنما هم سباع ضارية لا همة لهم إلا أن تأكلنى و تأكل بى غير أن اختلاف منازلهم فى ذلك على قدر القوة فمنهم كالأسد فى شدة السورة و منهم كالذئب فى الغارة و النهبة و منهم كالكلب فى‏الهرير و البصبصة و منهم كالثعلب فى الحيلة و السرقة فالطرق واحدة و القلوب مختلفة.

فلو أنك أيها الملك فى‏عظيم ما أنت فيه من ملكك و كثرة من تبعك من أهلك و جنودك و حاشيتك و أهل طاعتك نظرت فى أمرك عرفت أنك فريد وحيد ليس معك أحد من جميع أهل الأرض و ذلك أنك قد عرفت أن عامة الأمم عدو لك و أن هذه الأمة التى‏أوتيت الملك عليها كثيرة الحسد من أهل العداوة و الغش لك الذين هم أشد عداوة لك من السباع الضارية و أشد حنقا عليك من كل الأمم الغريبة و إذا صرت إلى أهل طاعتك و معونتك و قرابتك وجدت لهم قوما يعملون عملا بأجر معلوم يحرصون مع ذلك أن ينقصوك من العمل فيزدادوك من الأجر و إذا صرت إلى أهل خاصتك و قرابتك صرت إلى قوم جعلت كدك و كدحك و مهنأك و كسبك لهم فأنت تؤدى إليهم كل يوم الضريبة و ليس كلهم و إن وزعت بينهم جميع كدك عنك براض فإن أنت حبست عنهم ذلك فليس منهم البتة راض أ فلا ترى أنك أيها الملك وحيد لا أهل لك و لا مال.

فأما أنا فإن لى‏أهلا و مالا و إخوانا و أخوات و أولياء لا يأكلونى و لا يأكلون بى يحبونى و أحبهم فلا يفقد الحب بيننا ينصحونى و أنصحهم فلا غش بيننا و يصدقونى و أصدقهم فلا تكاذب بيننا و يوالونى و أواليهم فلا عداوة بيننا ينصرونى و أنصرهم فلا تخاذل بيننا يطلبون الخير الذى إن طلبته معهم لم يخافوا أن أغلبهم عليه أو أستأثر به دونهم فلا فساد بيننا و لا تحاسد يعملون لى و أعمل لهم بأجور لا تنفد و لا يزال العمل قائما بيننا هم هداتى إن ظللت و نور بصرى إن عميت و حصنى إن أتيت و مجنى إن رميت و أعوانى إذا فزعت و قد تنزهنا عن البيوت و المخانى فلا نريدها و تركنا الذخائر و المكاسب لأهل الدنيا فلا تكاثر بيننا و لا تباغى و لا تباغض و لا تفاسد و لا تحاسد و لا تقاطع فهؤلاء أهلى أيها الملك و إخوانى و أقربائى و أحبائى أحببتهم و انقطعت إليهم و تركت الذين كنت أنظر إليهم بالعين المسحورة لما عرفتهم و التمست السلامة منهم.

فهذه الدنيا أيها الملك التى أخبرتك أنها لا شى‏ء فهذا نسبها و حسبها و مصيرها إلى ما قد سمعت و قد رفضتها لما عرفتها و أبصرت الأمر الذى هو الشى‏ء فإن كنت تحب أيها الملك أن أصف لك ما أعرف عن أمر الآخرة التى هى الشى‏ء فاستعد إلى السماع تسمع غير ما كنت تسمع به الأشياء.

فلم يزد الملك عليه إلا أن قال له كذبت لم تصب شيئا و لم تظفر إلا بالشقاء و العناء فاخرج و لا تقيمن فى شى‏ء من مملكتى فإنك فاسد مفسد.

و ولد للملك فى تلك الأيام بعد إياسه من الذكور غلام لم ير الناس مولودا مثله قط حسنا و جمالا و ضياء فبلغ السرور من الملك مبلغا عظيما كاد أن يشرف منه على هلاك نفسه من الفرح و زعم أن الأوثان التى‏كان يعبدها هى التى وهبت له الغلام فقسم عامة ما كان فى بيوت أمواله على بيوت أوثانه و أمر الناس بالأكل و الشرب سنة و سمى الغلام يوذاسف و جمع العلماء و المنجمين لتقويم ميلاده فرفع المنجمون إليه أنهم يجدون الغلام يبلغ من الشرف و المنزلة ما لا يبلغه أحد قط فى أرض الهند و اتفقوا على ذلك جميعا غير أن رجلا قال ما أظن الشرف و المنزلة و الفضل الذى وجدناه يبلغه هذا الغلام إلا شرف الآخرة و لا أحسبه إلا أن يكون إماما فى الدين و النسك و ذا فضيلة فى‏درجات الآخرة لأنى أرى الشرف الذى تبلغه ليس يشبه شيئا من شرف الدنيا و هو شبيه بشرف الآخرة فوقع ذلك القول من الملك موقعا كاد أن ينغصه سروره بالغلام و كان المنجم الذى أخبره بذلك من أوثق المنجمين فى نفسه و أعلمهم و أصدقهم عنده و أمر الملك للغلام بمدينة فأخلاها و تخير له من الظئورة و الخدم كل ثقة و تقدم إليهم أن لا يذكر فيما بينهم موت و لا آخرة و لا حزن و لا مرض و لا فناء حتى تعتاد ذلك ألسنتهم و تنساه قلوبهم و أمرهم إذا بلغ الغلام أن لا ينطقوا عنده بذكر شى‏ء مما يتخوفونه عليه خشية أن يقع فى‏قلبه منه شى‏ء فيكون ذلك داعية إلى اهتمامه بالدين و النسك و أن يتحفظوا و يتحرزوا من ذلك و يتفقد بعضهم من بعض. و ازداد الملك عند ذلك حنقا على النساك مخافة على ابنه.

و كان لذلك الملك وزير قد كفل أمره و حمل عنه مئونة سلطانه و كان لا يخونه و لا يكذبه و لا يكتمه و لا يؤثر عليه و لا يتوانى فى شى‏ء من عمله و لا يضيعه و كان الوزير مع ذلك رجلا لطيفا طلقا معروفا بالخير يحبه الناس و يرضون به إلا أن أحباء الملك و أقرباءه كانوا يحسدونه و يبغون عليه و يستقلون بمكانه.

ثم إن الملك خرج ذات يوم إلى الصيد و معه ذلك الوزير فأتى به فى شعب من الشعاب على رجل قد أصابته زمانة شديدة فى رجليه ملقى فى أصل شجرة لا يستطيع براحا فسأله الوزير عن شأنه فأخبره أن السباع أصابته فرق له الوزير فقال له الرجل ضمنى إليك و احملنى إلى منزلك فإنك تجد عندى منفعة فقال الوزير إنى لفاعل و إن لم أجد عندك منفعة و لكن يا هذا ما المنفعة التى تعدنيها هل تعمل عملا أو تحسن شيئا فقال الرجل نعم أنا أرتق الكلام فقال و كيف ترتق الكلام قال إذا كان فيه فتق أرتقه حتى لا يجى‏ء من قبله فساد فلم ير الوزير قوله شيئا و أمر بحمله إلى منزله و أمر له بما يصلحه حتى إذ كان بعد ذلك احتال أحباء الملك للوزير و ضربوا له الأمور ظهرا و بطنا فأجمع رأيهم على أن دسوا رجلا منهم إلى الملك فقال له أيها الملك إن هذا الوزير يطمع فى ملكك أن يغلب عليه من بعدك فهو يصانع الناس على ذلك و يعمل عليه دائبا فإن أردت أن تعلم صدق ذلك فأخبره أنه قد بدا لك أن ترفض الملك و تلحق بالنساك فإنك سترى من فرحه بذلك ما تعرف به أمره و كان القوم قد عرفوا من الوزير رقة عند ذكر فناء الدنيا و الموت و لينا للنساك و حبا لهم فعملوا فيه من الوجه الذى ظنوا أنهم يظفرون بحاجتهم منه فقال الملك لئن أنا هجمت منه على هذا لم أسأل عما سواه فلما أن دخل عليه الوزير قال له الملك إنك قد عرفت حرصى على الدنيا و طلب الملك و إنى قد ذكرت ما مضى من ذلك فلم أجد معى منه طائلا و قد عرفت أن الذى بقى منه كالذى مضى فإنه يوشك أن ينقضى ذلك كله بأجمعه فلا يصير فى يدى منه شى‏ء و أنا أريد أن أعمل فى حال الآخرة عملا قويا على قدر ما كان من عملى فى الدنيا و قد بدا لى أن ألحق بالنساك و أخلى هذا العمل لأهله فما رأيك قال فرق الوزير لذلك رقة شديدة حتى عرف الملك ذلك منه ثم قال أيها الملك إن الباقى و إن كان عزيزا لأهل أن يطلب و إن الفانى‏و إن استمكنت منه لأهل أن يرفض و نعم الرأى رأيت و إنى لأرجو أن يجمع الله لك مع الدنيا شرف الآخرة قال فكبر ذلك على الملك و وقع منه كل موقع و لم يبدله شيئا غير أن الوزير عرف الثقل فى وجهه فانصرف إلى أهله كئيبا حزينا لا يدرى من أين أتى و لا من دهاه و لا يدرى ما دواء الملك فيما استنكر عليه فسهر لذلك عامة الليل ثم ذكر الرجل الذى زعم أنه يرتق الكلام فأرسل إليه فأتى به فقال له إنك كنت ذكرت لى‏ذكرا من رتق الكلام فقال الرجل أجل فهل احتجت إلى شى‏ء من ذلك فقال الوزير نعم أخبرك أنى صحبت هذا الملك قبل ملكه و منذ صار ملكا فلم أستنكره فيما بينى و بينه قط لما يعرفه من نصيحتى و شفقتى و إيثارى إياه على نفسى و على جميع الناس حتى إذا كان هذا اليوم استنكرته استنكارا شديدا لا أظن لى خيرا عنده بعده فقال له الراتق هل لذلك سبب أو علة قال الوزير نعم دعانى أمس و قال لى كذا و كذا فقلت له كذا و كذا فقال من هاهنا جاء الفتق و أنا أرتقه إن شاء الله

اعلم أن الملك قد ظن أنك تحب أن يتخلى هو عن ملكه و تخلفه أنت فيه فإذا كان عند الصبح فاطرح عنك ثيابك و حليتك و البس أوضع ما تجده من ذى النساك و أشهره ثم احلق رأسك و امض على وجهك إلى باب الملك فإن الملك سيدعو بك و يسألك عن الذى صنعت فقل له هذا الذى دعوتنى إليه و لا ينبغى لأحد أن يشير على صاحبه بشى‏ء إلا واساه فيه و صبر عليه و ما أظن الذى دعوتنى إليه إلا خيرا مما نحن فيه فقم إذا بدا لك ففعل الوزير ذلك فتخلى عن نفس الملك ما كان فيها عليه.

ثم أمر الملك بنفى النساك من جميع بلاده و توعدهم بالقتل فجدوا فى الهرب و الاستخفاء

ثم إن الملك خرج ذات يوم متصيدا فوقع بصره على شخصين من بعيد فأرسل إليهما فأتى بهما فإذا هما ناسكان فقال لهما ما بالكما لن تخرجا من بلادى قالا قد أتتنا رسلك و نحن على سبيل الخروج قال و لم خرجتما راجلين قالا لأنا قوم ضعفاء ليس لنا دواب و لا زاد و لا نستطيع الخروج إلا التقصير قال الملك إن من خاف الموت أسرع بغير دابة و لا زاد فقالا له إنا لا نخاف الموت بل لا ننظر قرة عين فى شى‏ء من الأشياء إلا فيه.

قال الملك و كيف لا تخافان الموت و قد زعمتما أن رسلنا لما أتتكم و أنتم على سبيل الخروج أ فليس هذا هو الهرب من الموت قالا إن الهرب من الموت ليس من الفرق فلا تظن أنا فرقناك و لكنا هربنا من أن نعينك على أنفسنا فأسف الملك و أمر بهما أن يحرقا بالنار و أذن فى أهل مملكته بأخذ النساك و تحريقهم بالنار فتجرد رؤساء عبدة الأوثان فى طلبهم و أخذوا منهم بشرا كثيرا و أحرقوهم بالنار فمن ثم صار التحريق سنة باقية فى أرض الهند و بقى فى جميع تلك الأرض قوم قليل من النساك كرهوا الخروج من البلاد و اختاروا الغيبة و الاستخفاء ليكونوا دعاة و هداة لمن وصلوا إلى كلامهم.

فنبت ابن الملك أحسن نبات فى جسمه و عقله و علمه و رأيه و لكنه لم يؤخذ بشى‏ء من الآداب إلا بما يحتاج إليه الملوك مما ليس فيه ذكر موت و لا زوال و لا فناء و أوتى الغلام من العلم و الحفظ شيئا كان عند الناس من العجائب و كان أبوه لا يدرى أ يفرح بما أوتى ابنه من ذلك أو يحزن له لما يتخوف عليه أن يدعوه ذلك إلى ما قيل فيه.

فلما فطن الغلام بحصرهم إياه فى المدينة و منعهم إياه من الخروج و النظر و الاستماع و تحفظهم عليه ارتاب لذلك و سكت عنه و قال فى نفسه هؤلاء أعلم بما يصلحنى منى حتى إذا ازداد بالسن و التجربة علما قال ما أرى لهؤلاء على فضلا و ما أنا بحقيق أن أقلدهم أمرى فأراد أن يكلم أباه إذا دخل عليه و يسأله عن سبب حصره إياه ثم قال ما هذا الأمر إلا من قبله و ما كان ليطلعنى عليه و لكنى حقيق أن ألتمس علم ذلك من حيث أرجو إدراكه و كان فى خدمه رجل كان ألطفهم به و أرأفهم به و كان الغلام إليه مستأنسا فطمع الغلام فى إصابة الخبر من قبل ذلك الرجل فازداد له ملاطفة و به استيناسا ثم إن الغلام واضعه الكلام فى بعض الليل باللين و أخبره أنه بمنزلة والده و أولى الناس به ثم أخذه بالترغيب و الترهيب و قال له إنى لأظن هذا الملك صائر لى بعد والدى و أنت فيه صائر أحد رجلين إما أعظم الناس منه منزلة و إما أسوأ الناس حالا قال له الحاضن و بأى شى‏ء أتخوف فى ملكك سوء الحال قال بأن تكتمنى اليوم أمرا أفهمه غدا من غيرك فأنتقم منك بأشد ما أقدر عليك فعرف الحاضن منه الصدق و طمع منه فى الوفاء فأفشى إليه خبره و الذى قال المنجمون لأبيه و الذى حذر أبوه من ذلك فشكر له الغلام ذلك و أطبق عليه حتى إذا دخل عليه أبوه.

قال يا أبة إنى و إن كنت صبيا فقد رأيت فى نفسى و اختلاف حالى أذكر من ذلك ما أذكر و أعرف بما لا أذكر منه ما أعرف و أنا أعرف أنى لم أكن على هذا المثال و أنك لم تكن على هذه الحال و لا أنت كائن عليها إلى الأبد و سيغيرك الدهر عن حالك هذه فلئن كنت أردت أن تخفى عنى أمر الزوال فما خفى على ذلك و لئن كنت حبستنى عن الخروج و حلت بينى و بين الناس لكى لا تتوق نفسى إلى غير ما أنا فيه لقد تركتنى بحصرك إياى و إن نفسى‏لقلقة مما تحول بينى و بينه حتى ما لى هم غيره و لا أردت سواه حتى لا يطمئن قلبى إلى شى‏ء مما أنا فيه و لا أنتفع به و لا آلفه فخل عنى و أعلمنى بما تكره من ذلك و تحذره حتى أجتنبه و أوثر موافقتك و رضاك على ما سواهما.

فلما سمع الملك ذلك من ابنه علم أنه قد علم ما الذى يكرهه و أنه من حبسه و حصره لا يزيده إلا إغراء و حرصا على ما يحال بينه و بينه فقال يا بنى ما أردت بحصرى إياك إلا أن أنحى عنك الأذى فلا ترى إلا ما يوافقك و لا تسمع إلا ما يسرك فأما إذا كان هواك فى غير ذلك فإن آثر الأشياء عندى‏ما رضيت و هويت.

ثم أمر الملك أصحابه أن يركبوه فى أحسن زينة و أن ينحوا عن طريقه كل منظر قبيح و أن يعدوا له المعازف و الملاهى ففعلوا ذلك فجعل بعد ركبته تلك يكثر الركوب

فمر ذات يوم على طريق قد غفلوا عنه فأتى على رجلين من السؤال أحدهما قد تورم و ذهب لحمه و اصفر جلده و ذهب ماء وجهه و سمج منظره و الآخر أعمى يقوده قائد فلما رأى ذلك اقشعر منهما و سأل عنهما فقيل له إن هذا المورم من سقم باطن و هذا الأعمى من زمانة فقال ابن الملك و إن هذا البلاء ليصيب غير واحد قالوا نعم فقال هل يأمن أحد من نفسه أن يصيبه مثل هذا قالوا لا و انصرف يومئذ مهموما ثقيلا محزونا باكيا مستخفا بما هو فيه من ملكه و ملك أبيه فلبث بذلك أياما.

ثم ركب ركبة فأتى فى مسيره على شيخ كبير قد انحنى من الكبر و تبدل خلقه و ابيض شعره و اسود لونه و تقلص جلده و قصر خطوه فعجب منه و سأل عنه فقالوا هذا الهرم فقال و فى كم تبلغ الرجل ما أرى قالوا فى مائة سنة أو نحو ذلك و قال فما وراء ذلك قالوا الموت قال فما يخلى بين الرجل و بين ما يريد من المدة قالوا لا و ليصيرن إلى هذا فى‏قليل من الأيام فقال الشهر ثلاثون يوما و السنة اثنا عشر شهرا و انقضاء العمر مائة سنة فما أسرع اليوم فى الشهر و ما أسرع الشهر فى السنة و ما أسرع السنة فى العمر فانصرف الغلام و هذا كلامه يبدؤه و يعيده مكررا له.

ثم سهر ليلته كلها و كان له قلب حى ذكى و عقل لا يستطيع معه نسيانا و لا غفلة فعلاه الحزن و الاهتمام فانصرف نفسه عن الدنيا و شهواتها و كان فى ذلك يدارى أباه و يتلطف عنده و هو مع ذلك قد أصغى بسمعه إلى كل متكلم بكلمة طمع أن يسمع شيئا يدله على غير ما هو فيه و خلا بحاضنه الذى كان أفضى إليه بسره فقال له هل تعرف من الناس أحدا شأنه غير شأننا هذا قال نعم قد كان قوم يقال لهم النساك رفضوا الدنيا و طلبوا الآخرة و لهم كلام و علم لا يدرى ما هو غير أن الناس عادوهم و أبغضوهم و حرقوهم و نفاهم الملك عن هذه الأرض فلا يعلم اليوم ببلادنا منهم أحد فإنهم قد غيبوا أشخاصهم ينتظرون الفرج و هذه سنة فى أولياء الله قديمة يتعاطونها فى دول الباطل

فاغتص لذلك الخبر فؤاده و طال به اهتمامه و صار كالرجل الملتمس ضالته التى لا بد له منها و ذاع خبره فى آفاق الأرض و شهر بتفكره و جماله و كماله و فهمه و عقله و زهادته فى الدنيا و هوانها عليه فبلغ ذلك رجلا من النساك يقال له بلوهر بأرض يقال لها سرنديب كان رجلا ناسكا حكيما فركب البحر حتى أتى أرض سولابط ثم عمد إلى باب ابن الملك فلزمه و طرح عنه زى النساك و لبس زى التجار و تردد إلى باب ابن الملك حتى عرف الأهل و الأحباء و الداخلين إليه فلما استبان له لطف الحاضن بابن الملك و حسن منزلته منه أطاف به بلوهر حتى أصاب منه خلوة فقال له إنى رجل من تجار سرنديب قدمت منذ أيام و معى سلعة عظيمة نفيسة الثمن عظيمة القدر فأردت الثقة لنفسى فعليك وقع اختيارى و سلعتى خير من الكبريت الأحمر و هى تبصر العميان و تسمع الصم و تداوى‏الأسقام و تقوى من الضعف و تعصم من الجنون و تنصر على العدو و لم أر بهذا أحدا هو أحق بها من هذا الفتى فإن رأيت أن تذكر له ذلك ذكرته فإن كان له فيها حاجة أدخلتنى عليه فإنه لم يخف عنه فضل سلعتى لو قد نظر إليها

قال الحاضن للحكيم إنك لتقول شيئا ما سمعنا به من أحد قبلك و لا أرى بك بأسا و ما مثلى يذكر ما لا يدرى ما هو فأعرض على سلعتك أنظر إليها فإن رأيت شيئا ينبغى لى أن أذكره ذكرته قال له بلوهر إنى رجل طبيب و إنى لأرى فى‏بصرك ضعفا فأخاف إن نظرت إلى سلعتى أن يلتمع بصرك و لكن ابن الملك صحيح البصر حدث السن و لست أخاف عليه أن ينظر إلى سلعتى فإن رأى ما يعجبه كانت له مبذولة على ما يحب و إن كان غير ذلك لم تدخل عليه مئونة و لا منقصة و هذا أمر عظيم لا يسعك أن تحرمه إياه أو تطويه دونه فانطلق الحاضن إلى ابن الملك فأخبره خبر الرجل فحس قلب ابن الملك بأنه قد وجد حاجته فقال عجل إدخال الرجل على‏ليلا و ليكن ذلك فى سر و كتمان فإن مثل هذا لا يتهاون به.

فأمر الحاضن بلوهر بالتهيؤ للدخول عليه فحمل معه سفطا فيه كتب له فقال الحاضن ما هذا السفط قال بلوهر فى هذا السفط سلعتى فإذا شئت فأدخلنى عليه فانطلق به حتى أدخله عليه فلما دخل عليه بلوهر سلم عليه و حياه و أحسن ابن الملك إجابته و انصرف الحاضن و قعد الحكيم عند الملك فأول ما قال له بلوهر رأيتك يا ابن الملك زدتنى فى التحية على ما تصنع بغلمانك و أشراف أهل بلادك قال ابن الملك ذلك لعظيم ما رجوت عندك قال بلوهر لئن فعلت ذلك بى

فقد كان رجلا من الملوك فى بعض الآفاق يعرف بالخير و يرجى فبينا هو يسير يوما فى موكبه إذ عرض له فى مسيره رجلان ماشيان لباسهما الخلقان و عليهما أثر البؤس و الضر فلما نظر إليهما الملك لم يتمالك أن وقع على الأرض فحياهما و صافحهما فلما رأى ذلك وزراؤه اشتد جزعهم مما صنع الملك فأتوا أخا له و كان جريا عليه فقالوا له إن الملك أزرى بنفسه و فضح أهل مملكته و خر عن دابته لإنسانين دنيين فعاتبه على ذلك كى لا يعود و لمه على ما صنع ففعل ذلك أخ الملك فأجابه الملك بجواب لا يدرى ما حاله فيه أ ساخط عليه الملك أم راض عنه فانصرف إلى منزله حتى إذا كان بعد أيام أمر الملك مناديا و كان يسمى منادى الموت فنادى فى فناء داره و كانت تلك سنتهم فيمن أرادوا قتله فقامت النوائح و النوادب فى دار أخ الملك و لبس ثياب الموتى و انتهى إلى باب الملك و هو يبكى بكاء شديدا و نتف شعره فلما بلغ ذلك الملك دعا به فلما أذن له الملك دخل عليه و وقع على الأرض و نادى بالويل و الثبور و رفع يده بالتضرع فقال له الملك اقترب أيها السفيه أنت تجزع من مناد نادى على بابك بأمر مخلوق و ليس بأمر خالق و أنا أخوك و قد تعلم أنه ليس لك إلى ذنب أقتلك عليه ثم أنتم تلوموننى على وقوعى إلى الأرض حين نظرت إلى منادى ربى إلى و أنا أعرف منكم بذنوبى فاذهب فإنى قد علمت أنه إنما استفزك وزرائى و سيعلمون خطأهم.

ثم أمر الملك بأربعة توابيت فصنعت له من خشب فطلى تابوتين منها بالذهب و تابوتين بالقار فلما فرغ منها ملأ تابوتى القار ذهبا و ياقوتا و زبرجدا و ملأ تابوتى‏الذهب جيفا و دما و عذرة و شعرا ثم جمع الوزراء و الأشراف الذين ظن أنهم أنكروا صنيعه بالرجلين الضعيفين الناسكين فعرض عليهم التوابيت الأربعة و أمرهم بتقويمها فقالوا أما فى ظاهر الأمر و ما رأينا و مبلغ علمنا فإن تابوتى‏الذهب لا ثمن لهما لفضلهما و تابوتى القار لا ثمن لهما لرذالتهما فقال الملك أجل هذا لعلمكم بالأشياء و مبلغ رأيكم فيها ثم أمر بتابوتى القار فنزعت عنهما صفائحهما فأضاء البيت بما فيهما من الجواهر فقال هذان مثل الرجلين الذين ازدريتم لباسهما و ظاهرهما و هما مملوءان علما و حكمة و صدقا و برا و سائر مناقب الخير الذى هو أفضل من الياقوت و اللؤلؤ و الجوهر و الذهب

ثم أمر بتابوتى الذهب فنزع عنهما أثوابهما فاقشعر القوم من سوء منظرهما و تأذوا بريحهما و نتنهما فقال الملك و هذان مثل القوم المتزينين بظاهر الكسوة و اللباس و أجوافهما مملوءة جهالة و عمى و كذب و جورا و سائر أنواع الشر التى هى أفظع و أشنع و أقذر من الجيف.

قال القوم للملك قد فقهنا و اتعظنا أيها الملك. ثم قال بلوهر هذا مثلك يا ابن الملك فيما تلقيتنى به من التحية و البشر فانتصب يوذاسف ابن الملك و كان متكئا ثم قال زدنى مثلا قال الحكيم إن الزارع خرج ببذره الطيب ليبذره فلما ملأ كفيه و نثره وقع بعضه على حافة الطريق فلم يلبث أن التقطه الطير و وقع بعضه على صفاة قد أصابها ندى و طين فمكث حتى اهتز فلما صارت عروقه إلى يبس الصفاة مات و يبس و وقع بعضه بأرض ذات شوك فنبت حتى سنبل و كاد أن يثمر فغمه الشوك فأبطله و أما ما كان منه وقع فى الأرض الطيبة و إن كان قليلا فإنه سلم و طاب و زكى فالزارع حامل الحكمة و أما البذر ففنون الكلام و أما ما وقع منه على حافة الطريق فالتقته الطير فما لا يجاوز السمع منه حتى يمر صفحا و أما ما وقع على الصخرة فى الندى فيبس حين بلغت عروقه الصفاة فما استحلاه صاحبه حتى سمعه بفراغ قلبه و عرفه بفهمه و لم يفقه بحصافة و لا نية و أما ما نبت منه و كاد أن يثمر فغمه الشوك فأهلكه فما وعاه صاحبه حتى إذا كان عند العمل به حفته الشهوات فأهلكته و أما ما زكى و طاب و سلم منه و انتفع به فما رآه البصر و وعاه الحفظ و أنفذه العزم بقمع الشهوات و تطهير القلوب من دنسها.

قال ابن الملك إنى أرجو أن يكون ما تبذره أيها الحكيم ما يزكو و يسلم و يطيب فاضرب لى مثل الدنيا و غرور أهلها بها.

قال بلوهر بلغنا أن رجلا حمل عليه فيل مغتلم فانطلق موليا هاربا و اتبعه الفيل حتى غشيه فاضطره إلى بئر فتدلى فيها و تعلق بغصنين نابتين على شفير البئر و وقعت قدماه على رءوس حيات فلما تبين له أنه متعلق بالغصنين فإذا فى أصلهما جرذان يقرضان الغصنين أحدهما أبيض و الآخر أسود فلما نظر إلى تحت قدميه فإذا رءوس أربع أفاع قد طلعن من جحرهن فلما نظر إلى قعر البئر إذا بتنين فاغر فاه نحوه يريد التقامه فلما رفع رأسه إلى أعلى الغصنين إذا عليهما شى‏ء من عسل النحل فيطعم من ذلك العسل فألهاه ما طعم منه و ما نال من لذة العسل و حلاوته عن التفكر فى أمر الأفاعى اللواتى لا يدرى متى يبادرنه و ألهاه عن التنين الذى لا يدرى كيف مصيره بعد وقوعه فى لهواته.

أما البئر فالدنيا مملوءة آفات و بلايا و شرورا و أما الغصنان فالعمر و أما الجرذان فالليل و النهار يسرعان فى الأجل و أما الأفاعى‏الأربعة فالأخلاط الأربعة التى هى السموم القاتلة من المرة و البلغم و الريح و الدم التى لا يدرى صاحبها متى تهيج به و أما التنين الفاغر فاه ليلتقمه فالموت الراصد الطالب و أما العسل الذى اغتر به المغرور فما ينال الناس من لذة الدنيا و شهواتها و نعيمها و دعتها من لذة المطعم و المشرب و الشم و اللمس و السمع و البصر.

قال ابن الملك إن هذا المثل عجيب و إن هذا التشبيه حق فزدنى مثلا للدنيا و صاحبها المغرور بها المتهاون بما ينفعه فيها.

قال بلوهر زعموا أن رجلا كان له ثلاثة قرناء و كان قد آثر أحدهم على الناس جميعا و يركب الأهوال و الأخطار بسببه و يغرر بنفسه له و يشغل ليله و نهاره فى‏حاجته و كان القرين الثانى دون الأول منزلة و هو على ذلك حبيب إليه أمير عنده يكرمه و يلاطفه و يخدمه و يطيعه و يبذل له و لا يغفل عنه و كان القرين الثالث مجفوا محقورا مستثقلا ليس له من وده و ماله إلا أقله حتى إذا نزل بالرجل الأمر الذى يحتاج فيه إلى قرنائه الثلاثة فأتاه زبانية الملك ليذهبوا به ففزع إلى قرينه الأول فقال له قد عرفت إيثارى إياك و بذل نفسى لك و هذا اليوم يوم حاجتى إليك فما ذا عندك قال ما أنا لك بصاحب و إن لى أصحابا يشغلونى عنك هم اليوم أولى بى منك و لكن لعلى أزودك ثوبين لتنتفع بهما.

ثم فزع إلى قرينه الثانى ذى المحبة و اللطف فقال له قد عرفت كرامتى إياك و لطفى بك و حرصى على مسرتك و هذا يوم حاجتى إليك فما ذا عندك فقال إن أمر نفسى يشغلنى عنك و عن أمرك فاعمد لشأنك و اعلم أنه قد انقطع الذى بينى و بينك و أن طريقى غير طريقك إلا أنى لعلى أخطو معك خطوات يسيرة لا تنتفع بها ثم أنصرف إلى ما هو أهم إلى منك.