كمال الدين و تمام النعمه ، جلد۲

شيخ صدوق ابى جعفر محمد بن على بن الحسين قمى قدس سره
مترجم: منصور پهلوان

- ۲۰ -


باب 54: حديث شداد بن عاد بن ارم‏

باب 54: باب حديث شداد بن عاد بن إرم و صفة إرم ذات العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد

1- أخبرنا محمد بن هارون الزنجانى فيما كتب إلى قال حدثنا معاذ أبو المثنى العنبرى قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال حدثنا جويرية عن سفيان عن منصور عن أبى وائل قال إن رجلا يقال له عبد الله بن قلابة خرج فى طلب إبل له قد شردت فبينا هو فى صحارى عدن فى تلك الفلوات إذ هو وقع على مدينة عليها حصن حول ذلك الحصن قصور كثيرة و أعلام طوال فلما دنا منها ظن أن فيها من يسأله عن إبله فلم ير داخلا و لا خارجا فنزل عن ناقته و عقلها و سل سيفه و دخل من باب الحصن فإذا هو ببابين عظيمين لم ير فى الدنيا بناء أعظم منهما و لا أطول و إذا خشبها من أطيب عود و عليها نجوم من ياقوت أصفر و ياقوت أحمر ضوؤها قد ملأ المكان فلما رأى ذلك أعجبه ففتح أحد البابين و دخل فإذا هو بمدينة لم ير الراءون مثلها قط و إذا هو بقصور كل قصر منها معلق تحته أعمدة من زبرجد و ياقوت و فوق كل قصر منها غرف و فوق الغرف غرف مبنية بالذهب و الفضة و اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و على كل باب من أبواب تلك القصور مصاريع مثل مصاريع باب المدينة من عود طيب قد نضدت عليه اليواقيت و قد فرشت تلك القصور باللؤلؤ و بنادق المسك و الزعفران فلما رأى ذلك أعجبه و لم ير هناك أحدا فأفزعه ذلك

ثم نظر إلى الأزقة فإذا فى كل زقاق منها أشجار قد أثمرت تحتها أنهار تجرى فقال هذه الجنة التى وصف الله عز و جل لعباده فى‏الدنيا و الحمد لله الذى أدخلنى الجنة فحمل من لؤلئها و من بنادق المسك و الزعفران و لم يستطع أن يقلع من زبرجدها و من ياقوتها لأنه كان مثبتا فى أبوابها و جدرانها و كان اللؤلؤ و بنادق المسك و الزعفران منثورا بمنزلة الرمل فى تلك القصور و الغرف كلها فأخذ منها ما أراد و خرج حتى أتى ناقته و ركبها ثم سار يقفو أثر ناقته حتى رجع إلى اليمن و أظهر ما كان معه و أعلم الناس أمره و باع بعض ذلك اللؤلؤ و كان قد اصفار و تغير من طول ما مر عليه من الليالى و الأيام فشاع خبره و بلغ معاوية بن أبى سفيان فأرسل رسولا إلى صاحب صنعاء و كتب بإشخاصه فشخص حتى قدم على معاوية فخلا به و سأله عما عاين فقص عليه أمر المدينة و ما رأى فيها و عرض عليه ما حمله منها من اللؤلؤ و بنادق المسك و الزعفران فقال و الله ما أعطى سليمان بن داود مثل هذه المدينة فبعث معاوية إلى كعب الأحبار فدعاه و قال له يا أبا إسحاق هل بلغك أن فى الدنيا مدينة مبنية بالذهب و الفضة و عمدها من الزبرجد و الياقوت و حصى قصورها و غرفها اللؤلؤ و أنهارها فى الأزقة تجرى تحت الأشجار

قال كعب أما هذه المدينة فصاحبها شداد بن عاد الذى بناها و أما المدينة فهى‏إرم ذات العماد و هى التى وصف الله عز و جل فى كتابه المنزل على نبيه محمد (ص) و ذكر أنه لم يخلق مثلها فى البلاد

قال معاوية حدثنا بحديثها فقال إن عادا الأولى و ليس بعاد قوم هود (ع) كان له ابنان سمى أحدهما شديدا و الآخر شدادا فهلك عاد و بقيا و ملكا و تجبرا و أطاعهما الناس فى الشرق و الغرب فمات شديد و بقى شداد فملك وحده و لم ينازعه أحد و كان مولعا بقراءة الكتب و كان كلما سمع بذكر الجنة و ما فيها من البنيان و الياقوت و الزبرجد و اللؤلؤ رغب أن يفعل مثل ذلك فى الدنيا عتوا على الله عز و جل فجعل على صنعتها مائة رجل تحت كل واحد منهم ألف من الأعوان فقال انطلقوا إلى أطيب فلاة فى الأرض و أوسعها فاعملوا لى فيها مدينة من ذهب و فضة و ياقوت و زبرجد و لؤلؤ و اصنعوا تحت تلك المدينة أعمدة من زبرجد و على المدينة قصورا و على القصور غرفا و فوق الغرف غرفا و اغرسوا تحت القصور فى أزقتها أصناف الثمار كلها و أجروا فيها الأنهار حتى يكون تحت أشجارها فإنى قرأت فى الكتب صفة الجنة و أنا أحب أن أجعل مثلها فى الدنيا قالوا له كيف نقدر على ما وصفت لنا من الجواهر و الذهب و الفضة حتى يمكننا أن نبنى مدينة كما وصفت قال شداد أ لا تعلمون أن ملك الدنيا بيدى قالوا بلى قال فانطلقوا إلى كل معدن من معادن الجواهر و الذهب و الفضة فوكلوا بها حتى تجمعوا ما تحتاجون إليه و خذوا ما تجدونه فى أيدى الناس من الذهب و الفضة

فكتبوا إلى كل ملك فى الشرق و الغرب فجعلوا يجمعون أنواع الجواهر عشر سنين فبنوا له هذه المدينة فى مدة ثلاثمائة سنة و عمر شداد تسعمائة سنة فلما أتوه و أخبروه بفراغهم منها قال انطلقوا فاجعلوا عليها حصنا و اجعلوا حول الحصن ألف قصر عند كل قصر ألف علم يكون فى كل قصر من تلك القصور وزير من وزرائى فرجعوا و عملوا ذلك كله له ثم أتوه فأخبروه بالفراغ منها كما أمرهم به فأمر الناس بالتجهيز إلى إرم ذات العماد فأقاموا فى جهازهم إليها عشر سنين

ثم سار الملك يريد إرم فلما كان من المدينة على مسيرة يوم و ليلة بعث الله عز و جل عليه و على جميع من كان معه صيحة من السماء فأهلكتهم جميعا و ما دخل إرم و لا أحد ممن كان معه فهذه صفة إرم ذات العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد و إنى لأجد فى‏الكتب أن رجلا يدخلها و يرى ما فيها ثم يخرج و يحدث الناس بما يرى فلا يصدق و سيدخلها أهل الدين فى آخر الزمان

قال مصنف هذا الكتاب رضى الله عنه إذا جاز أن يكون فى‏الأرض جنة مغيبة عن أعين الناس لا يهتدى إلى مكانها أحد من الناس و لا يعلمون بها و يعتقدون صحة كونها من طريق الأخبار فكيف لا يقبلون من طريق الأخبار كون القائم (ع) الآن فى غيبته و إذا جاز أن يعمر شداد بن عاد تسعمائة سنة فكيف لا يجوز أن يعمر القائم (ع) مثلها أو أكثر منها.

و الخبر فى‏شداد بن عاد عن أبى وائل و الأخبار فى القائم (ع) عن النبى‏و الأئمة (ص) فهل ذلك إلا مكابرة فى جحود الحق.

و وجدت فى كتاب المعمرين أنه حكى عن هشام بن سعيد الرحال قال إنا وجدنا حجرا بالإسكندرية مكتوبا فيه أنا شداد بن عاد و أنا الذى شيدت العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد و جندت الأجناد و شددت بساعدى الواد فبنيتهن إذ لا شيب و لا موت و إذ الحجارة فى اللين مثل الطين و كنزت كنزا فى‏البحر على اثنى عشر منزلا لم يخرجه أحد حتى تخرجه أمة محمد

و عاش أوس بن ربيعة بن كعب بن أمية الأسلمى‏مائتين و أربع عشرة سنة و قال فى ذلك

لقد عمرت حتى مل أهلى   ثوائى عندهم و سئمت عمرى
و حق لمن أتى مائتا عاما   عليه و أربع من بعد عشر
يمل من الثواء و صبح يوم   يغاديه و ليل بعد يسرى
فأبلى جدتى و تركت شلوا   و باح بما أجن ضمير صدرى

و عاش أبو زبيد و اسمه البدر بن حرملة الطائى و كان نصرانيا خمسين و مائة سنة. و عاش نصر بن دهمان بن بصار بن بكر بن سليم بن أشجع بن الريث بن غطفان مائة و تسعين سنة حتى سقطت أسنانه و خرف عقله و ابيض رأسه فحزب قومه أمر فاحتاجوا فيه إلى رأيه و دعوا الله عز و جل أن يرد إليه عقله و شبابه فعاد إليه عقله و شبابه و اسود شعره.

فقال فيه سلمة بن الخرشب الأنمارى من أنمار بن بغيض و يقال بل عياض مرداس السلمى

لنصر بن دهمان الهنيدة عاشها   و تسعين حولا ثم قوم فانصاتا
و عاد سواد الرأس بعد بياضه   و راجعة شرخ الشباب الذى فاتا
و راجع عقلا عند ما فات عقله   و لكنه من بعد ذا كله ماتا

و عاش سويد بن حذاق العبدى مائتى سنة.

و عاش الجعشم بن عوف بن حذيمة دهرا طويلا فقال

حتى متى الجعشم فى الأحياء   ليس بذى أيد و لا غناء
هيهات ما للموت من دواء

و عاش ثعلبة بن كعب بن زيد بن عبد الأشهل الأوسى مائتى‏سنة فقال

لقد صاحبت أقواما فأمسوا   خفاتا ما يجاب لهم دعاء
مضوا قصد السبيل و خلفونى   فطال على بعدهم الثواء
فأصبحت الغداة رهين بيتى   و أخلفنى من الموت الرجاء

و عاش رداءة بن كعب بن ذهل بن قيس النخعى ثلاثمائة سنة و قال

لم يبق يا خذلة من لداتى   أبو بنين لا و لا بنات
و لا عقيم غير ذى سبات   إلا يعد اليوم فى الأموات
هل مشتر أبيعه حياتى

و عاش عدى بن حاتم طى‏ء عشرين و مائة سنة

و عاش أماباة بن قيس بن الحارث بن شيبان الكندى ستين و مائة سنة.

و عاش عميرة بن هاجر بن عمير بن عبد العزى بن قمير سبعين و مائة سنة و قال

بليت و أفنانى الزمان و أصبحت   هنيدة قد أبقيت من بعدها عشرا
و أصبحت مثل الفرخ لا أنا ميت   فأسلى و لا حى فأصدر لى أمرا
و قد عشت دهرا ما تجن عشيرتى   لها ميتا حتى أخط به قبرا

و عاش العرام بن منذر بن زبيد بن قيس بن حارثة بن لام دهرا طويلا فى الجاهلية و أدرك عمر بن عبد العزيز و أدخل عليه و قد اختلفت ترقوتاه و سقط حاجباه فقيل له ما أدركت؟ فقال

و و الله ما أدرى أ أدركت أمة   على عهد ذى القرنين أم كنت أقدما
متى تخلعا منى القميص تبينا   جآجئ لم يكسين لحما و لا دما

و عاش سيف بن وهب بن جذيمة الطائى مائتى سنة و قال

ألا إننى عاجلا ذاهب   فلا تحسبوا أننى كاذب
لبست شبابى‏فأفنيته   و أدركنى القدر الغالب
و خصم دفعت و مولى نفعت   حتى يثوب له ثائب

و عاش أرطاة بن دشهبة المزنى عشرين و مائة سنة فكان يكنى أبا الوليد فقال له عبد الملك بن مروان ما بقى من شعرك يا أرطاة قال يا أمير المؤمنين إنى لا أشرب و لا أطرب و لا أغضب و لا يجيئنى الشعراء إلا على أحد هذه الخصال على أنى أقول

رأيت المرء تأكله الليالى   كأكل الأرض ساقطة الحديد
و ما تبقى‏المنية حين تأتى   على نفس ابن آدم من مزيد
و أعلم أنها ستكر حتى   توفى نذرها بأبى الوليد

فارتاع عبد الملك فقال يا أرطاة فقال أرطاة يا أمير المؤمنين إنى أكنى أبا الوليد. و عاش عبيد بن الأبرص ثلاثمائة سنة فقال

فنيت و أفنانى الزمان و أصبحت   لداتى بنو نعش و زهر الفراقد

ثم أخذه النعمان بن المنذر يوم بؤسه فقتله. و عاش شريح بن هانئ عشرين و مائة سنة حتى قتل فى زمن الحجاج بن يوسف فقال فى كبره و ضعفه

أصبحت ذا بث أقاسى الكبرا   قد عشت بين المشركين أعصرا
ثمت أدركت النبى المنذرا   و بعده صديقه و عمرا
و يوم مهران و يوم تسترا   و الجمع فى صفينهم و النهرا
هيهات ما أطول هذا عمرا

و عاش رجل من بنى ضبة يقال له المسجاح بن سباع الضبى‏دهرا طويلا فقال

لقد طوفت فى الآفاق حتى   بليت و قد أنى لى لو أبيد
و أفنانى‏و لو يفنى نهار   و ليل كلما يمضى يعود
و شهر مستهل بعد شهر   و حول بعده حول جديد

و عاش لقمان العادى الكبير خمسمائة و ستين سنة و عاش عمر سبعة أنسر عاش كل نسر منها ثمانين عاما و كان من بقية عاد الأولى.

و روى أنه عاش ثلاثة آلاف سنة و خمسمائة سنة و كان من وفد عاد الذين بعثهم قومهم إلى الحرم ليستسقوا لهم و كان أعطى عمر سبعة أنسر و كان يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله فى الجبل الذى هو فى أصله فيعيش النسر منها ما عاش فإذا مات أخذ آخر فرباه حتى كان آخرها لبد و كان أطولها عمرا فقيل فيه طال الأبد على لبد.

و قد قيل فيه أشعار معروفة و أعطى من القوة و السمع و البصر على قدر ذلك و له أحاديث كثيرة.

و عاش زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة بن ثور بن كلب الكلبى ثلاثمائة سنة.

و عاش مزيقيا و اسمه عمر بن عامر و هو ماء السماء لأنه كان حياة أينما نزل كمثل ماء السماء و إنما سمى مزيقيا لأنه عاش ثمانمائة سنة أربعمائة سوقة و أربعمائة ملكا و كان يلبس كل يوم حلتين ثم يأمر بهما فتمزقان حتى لا يلبسهما أحد غيره.

و عاش هبل بن عبد الله بن كنانة ستمائة سنة.

و عاش أبو الطحمان القينى مائة و خمسين سنة.

و عاش مستوغر بن ربيعة بن كعب بن زيد مناة بن تميم ثلاثمائة و ثلاثين سنة ثم أدرك الإسلام فلم يسلم و له شعر معروف.

و عاش دويد بن زيد بن نهد أربعمائة سنة و خمسين سنة فقال فى ذلك

ألقى على الدهر رجلا و يدا   و الدهر ما أصلح يوما أفسدا

يفسد ما أصلحه اليوم غدا

و جمع بنيه حين حضرته الوفاة فقال يا بنى أوصيكم بالناس شرا لا تقبلوا لهم معذرة و لا تقيلوا لهم عثرة.

و عاش تيم الله بن ثعلبة بن عكاية مائتى سنة.

و عاش ربيع بن ضبع بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عدى بن فزارة مائتى و أربعين سنة و أدرك الإسلام فلم يسلم.

و عاش معديكرب الحميرى‏من آل ذى يزن مائتى و خمسين سنة. و عاش شرية بن عبد الله الجعفى ثلاثمائة سنة فقدم على عمر بن الخطاب بالمدينة فقال لقد رأيت هذا الوادى الذى أنتم فيه و ما به قطرة و لا هضبة و لا شجرة و لقد أدركت أخريات قومى يشهدون شهادتكم هذه يعنى لا إله إلا الله و معه ابن له يهادى قد خرف فقيل له يا شرية هذا ابنك قد خرف و بك بقية فقال و الله ما تزوجت أمه حتى أتت على سبعون سنة و لكنى تزوجتها عفيفة ستيرة إن رضيت رأيت ما تقر به عينى و إن سخطت تأتت لى حتى أرضى و إن ابنى هذا تزوج امرأة بذية فاحشة إن رأى ما تقر به عينه تعرضت له حتى يسخط و إن سخط تلغبته حتى يهلك.

حدثنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بن نصر السجزى قال سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة بن زيد الشعرانى من ولد عمار بن ياسر رضى الله عنه يقول حكى لى أبو القاسم محمد بن القاسم المصرى أن أبا الجيش حمادويه بن أحمد بن طولون كان قد فتح الله عليه من كنوز مصر ما لم يرزق أحد قبله فغزى بالهرمين فأشار إليه جلساؤه و حاشيته و بطانته بأن لا يتعرض لهدم الأهرام فإنه ما تعرض لهذه أحد فطال عمره فألح فى‏ذلك و أمر ألفا من الفعلة أن يطلبوا الباب فكانوا يعملون سنة حواليه حتى ضجروا و كلوا فلما هموا بالانصراف بعد الإياس منه و ترك العمل وجدوا سربا فقدروا أنه الباب الذى‏يطلبونه فلما بلغوا آخره و جدوا بلاطة قائمة من مرمر فقدروا أنها الباب فاحتالوا فيها إلى أن قلعوها و أخرجوها قال محمد بن المظفر وجدوا من ورائها بناء منضما لا يقدروا عليه فأخرجوها ثم نظفوها فإذا عليها كتابة باليونانية فجمعوا حكماء مصر و علماءها من سائر الأديان فلم يهتدوا لها.

و كان فى القوم رجل يعرف بأبى عبد الله المدينى أحد حفاظ الدنيا و علمائها فقال لأبى الجيش حمادويه بن أحمد أعرف فى بلد الحبشة أسقفا قد عمر و أتى عليه ثلاثمائة و ستون سنة يعرف هذا الخط و قد كان عزم على أن يعلمنيه فلحرصى على علم العرب لم أقم عنده و هو باق فكتب أبو الجيش إلى ملك الحبشة يسأله أن يحمل هذا الأسقف إليه فأجابه أن هذا شيخ قد طعن فى السن و قد حطمه الزمان و إنما يحفظه هذا الهواء و هذا الإقليم و يخاف عليه إن نقل إلى هواء آخر و إقليم آخر و لحقته حركة و تعب و مشقة السفر أن يتلف و فى بقائه لنا شرف و فرح و سكينة فإن كان لكم شى‏ء يقرؤه أو يفسره أو مسألة تسألونه فاكتب لى بذلك فحملت البلاطة فى قارب إلى بلد أسوان من الصعيد الأعلى و حملت من أسوان على العجلة إلى بلد الحبشة و هى قريبة من الأسوان فلما وصلت قرأها الأسقف و فسر ما كان فيها بالحبشية ثم نقلت إلى العربية فإذا فيها مكتوب

أنا الريان بن دومغ فسئل أبو عبد الله المدينى‏عن الريان من كان فقال هو والد العزيز الملك الذى كان فى زمان يوسف النبى (ع) و اسمه الوليد بن الريان بن دومغ و كان عمر العزيز سبعمائة سنة و عمر الريان والده ألف و سبعمائة سنة و عمر دومغ ثلاثة آلاف سنة.

فإذا فيها أنا الريان بن دومغ خرجت فى طلب علم النيل الأعظم لأعلم فيضه و منبعه إذ كنت أرى مفيضه فخرجت و معى من صحبنى أربعة آلاف رجل فسرت ثمانين سنة إلى أن انتهيت إلى الظلمات و البحر المحيط بالدنيا فرأيت النيل يقطع البحر المحيط و يعبر فيه و لم يكن لى منفذ و تماوت أصحابى و بقيت فى أربعة آلاف رجل فخشيت على ملكى فرجعت إلى مصر و بنيت الأهرام و البرانى و بنيت الهرمين و أودعتهما كنوزى و ذخائرى و قلت فى ذلك

و أدرك علمى بعض ما هو كائن   و لا علم لى بالغيب و الله أعلم
و أتقنت ما حاولت إتقان صنعه   و أحكمته و الله أقوى و أحكم
و حاولت علم النيل من بدء فيضه   فأعجزنى و المرء بالعجز ملجم
ثمانين شاهورا قطعت مسابحا   و حولى بنى حجر و جيش عرموم
إلى أن قطعت الإنس و الجن كلهم   و عارضنى‏لج من البحر مظلم
فأيقنت أن لا منفذ بعد منزلى   لذى‏همة بعدى و لا متقدم
فأبت إلى ملكى و أرسيت ثاويا   بمصر و للأيام بؤس و أنعم
أنا صاحب الأهرام فى مصر كلها   و بانى برانيها بها و المقدم
تركت بها آثار كفى و حكمتى   على الدهر لا تبلى و لا تتهدم
و فيها كنوز جمة و عجائب   و للدهر أمر مرة و تجهم
سيفتح أقفالى و يبدى عجائبى   ولى لربى آخر الدهر ينجم
بأكناف بيت الله تبدو أموره   فلا بد أن يعلو و يسمو به السم
ثمان و تسع و اثنتان و أربع   و تسعون أخرى من قتيل و ملجم
و من بعد
هذا كر تسعون تسعة   و تلك البرانى تستخر و تهدم
و تبدى كنوزى كلها غير أننى   أرى كل هذا أن يفرقها الدم
زبرت مقالى فى صخور قطعتها   ستبقى و أفنى بعدها ثم أعدم

فحينئذ قال أبو الجيش حمادويه بن أحمد هذا شى‏ء ليس لأحد فيه حيلة إلا القائم من آل محمد (ع) و ردت البلاطة كما كانت مكانها.

ثم إن أبا الجيش بعد ذلك بسنة قتله طاهر الخادم ذبحه على فراشه و هو سكران و من ذلك الوقت عرف خبر الهرمين و من بناهما فهذا أصح ما يقال من خبر النيل و الهرمين

و عاش ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم القرشى مائة و ثمانين سنة و أدرك الإسلام فهلك فجأة

و عاش لبيد بن ربيعة الجعفرى مائة و أربعين سنة و أدرك الإسلام فأسلم فلما بلغ سبعون سنة من عمره أنشأ يقول فى ذلك

كأنى و قد جاوزت سبعين حجة   خلعت بها عن منكبى ردائيا

فلما بلغ سبعا و سبعين سنة أنشأ يقول

باتت تشكى إلى النفس مجهشة   و قد حملتك سبعا بعد سبعينا
فإن تزيدى ثلاثا تبلغى أملا   و فى الثلاث وفاء للثمانينا

فلما بلغ تسعين سنة أنشأ يقول

كأنى و قد جاوزت تسعين حجة   خلعت بها عنى عذار لثامى
رمتنى بنات الدهر من حيث لا أرى   و كيف بمن يرمى و ليس برام
فلو أننى أرمى بنبل رأيتها   و لكننى أرمى بغير سهام

فلما بلغ مائة و عشر سنين أنشأ يقول

وليس فى مائة قد عاشها رجل   و فى تكامل عشر بعدها عمر

فلما بلغ مائة و عشرين سنة أنشأ يقول

قد عشت دهرا قبل مجرى داحس   لو كان للنفس اللجوج خلود

فلما بلغ مائة و أربعين سنة أنشأ يقول

و لقد سئمت من الحياة و طولها   و سؤال هذا الناس كيف لبيد
غلب الرجال و كان غير مغلب   دهر طويل دائم ممدود
يوما إذا يأتى على و ليلة   و كلاهما بعد المضى يعود

فلما حضرته الوفاة قال لابنه يا بنى إن أباك لم يمت و لكنه فنى‏فإذا قبض أبوك فأغمضه و أقبل به القبلة و سجه بثوبه و لا أعلمن ما صرخت عليه صارخة أو بكت عليه باكية و انظر جفنتى التى كنت أضيف بها فأجد صنعتها ثم احملها إلى مسجدك و إلى من كان يغشانى عليها فإذا قال الإمام سلام عليكم فقدمها إليهم يأكلوا منها فإذا فرغوا فقل احضروا جنازة أخيكم لبيد بن ربيعة فقد قبضه الله عز و جل ثم أنشأ يقول

و إذا دفنت أباك فاجعل   فوقه خشبا و طينا
و صفائح صما روا   شنها تسددن الغصونا
ليقين حر الوجه سفساف   التراب و لن يقينا

و قد ورد فى الخبر فى حديث لبيد بن ربيعة فى أمر الجفنة غير هذا ذكروا أن لبيد بن ربيعة جعل على نفسه أن كلما هبت الشمال أن ينحر جزورا فيملأ الجفنة التى حكوا عنها فى أول حديثه.

فلما ولى الوليد بن عقبة بن أبى معيط الكوفة خطب الناس فحمد الله عز و جل و أثنى عليه و صلى على النبى (ص) ثم قال أيها الناس قد علمتم حال لبيد بن ربيعة الجعفرى و شرفه و مروءته و ما جعل على نفسه كلما هبت الشمال أن ينحر جزورا فأعينوا أبا عقيل على مروءته ثم نزل و بعث إليه بخمسة من الجزر ثم أنشأ يقول فيها:

أرى الجزار يشحذ شفرتيه   إذا هبت رياح أبى عقيل
طويل الباع أبلج جعفرى   كريم الجد كالسيف الصقيل
و فى ابن الجعفرى‏بما لديه   على العلات و المال القليل

و قد ذكروا أن الجزر كانت عشرين فلما أتته قال جزى الله الأمير خيرا قد عرف أنى لا أقول الشعر و لكن اخرجى يا بنية فخرجت إليه بنية له خماسية فقال لها أجيبى الأمير فأقبلت و أدبرت ثم قالت نعم و أنشأت تقول

إذا هبت رياح أبى عقيل   دعونا عند هبتها الوليدا
طويل الباع أبلج عبشميا   أعان على مروءته لبيدا
بأمثال الهضاب كأن ركبا   عليها من بنى حام قعودا
أبا وهب جزاك الله خيرا   نحرناها و أطعمنا الثريدا
فعد إن الكريم له معاد   و عهدى بابن أروى أن تعودا

فقال لها أحسنت يا بنية لو لا أنك سألت قالت إن الملوك لا يستحيا من مسألتهم قال و أنت يا بنية أشعر.

و عاش ذو الإصبع العدوانى و اسمه حرثان بن الحارث بن محرث بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن الظرب بن عثمان ثلاثمائة سنة.

و عاش جعفر بن قبط ثلاثمائة سنة و أدرك الإسلام

و عاش عامر بن الظرب العدوانى ثلاثمائة سنة.

و عاش محصن بن عتبان بن ظالم بن عمرو بن قطيعة بن الحارث بن سلمة بن مازن الزبيدى‏مائتين و خمسين سنة و قال فى ذلك

ألا يا سلم إنى لست منكم   و لكنى امرؤ قوتى سغوب
دعانى‏الداعيان فقلت هيا   فقالا كل من يدعى يجيب
ألا يا سلم أعيانى قيامى   و أعيتنى المكاسب و الذهوب
و صرت رذية فى البيت كلا   تأذى بى الأباعد و القريب
كذاك الدهر و الأيام   خون لها فى كل سائمة نصيب

و عاش عوف بن كنانة الكلبى ثلاثمائة سنة فلما حضرته الوفاة جمع بنيه فأوصاهم و هو عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد بن ثور بن كلب فقال يا بنى احفظوا وصيتى فإنكم إن حفظتموها سدتم قومكم من بعدى:

إلهكم فاتقوه و لا تحزنوا و لا تخونوا و لا تثيروا السباع من مرابضها فتندموا و جاوزوا الناس بالكف عن مساوئهم فتسلموا و تصلحوا و عفوا عن الطلب إليهم و لا تستقلوا و الزموا الصمت إلا من حق تحمدوا و ابذلوا لهم المحبة تسلم لكم الصدور و لا تحرموهم المنافع فيظهروا الشكاة و تكونوا منهم فى ستر ينعم بالكم و لا تكثروا مجالستهم فيستخف بكم و إذا نزلت بكم معضلة فاصبروا لها و البسوا للدهر أثوابه فإن لسان الصدق مع المسكنة خير من سوء الذكر مع الميسرة و وطنوا أنفسكم على المذلة لمن تذلل لكم فإن أقرب الوسائل المودة و إن أتعبت النشب البغضة و عليكم بالوفاء و تنكبوا العذر يأمن سربكم و أصيخوا للعدل و أحيوا الحسب بترك الكذب فإن آفة المروءة الكذب و الخلف لا تعلموا الناس إقتاركم فتهونوا عليهم و تخملوا و إياكم و الغربة فإنها ذلة و لا تضعوا الكرائم إلا عند الأكفاء و ابتغوا لأنفسكم المعالى و لا يختلجنكم جمال النساء عن الصحة فإن نكاح الكرائم مدارج الشرف و اخضعوا لقومكم و لا تبغوا عليهم لتنالوا المنافس و لا تخالفوهم فيما اجتمعوا عليه فإن الخلاف يزرى بالرئيس المطاع و ليكن معروفكم لغير قومكم من بعدهم و لا توحشوا أفنيتكم من أهلها فإن إيحاشها إخماد النار و دفع الحقوق و ارفضوا النائم بينكم تسلموا و كونوا أعوانا عند الملمات تغلبوا و احذروا النجعة إلا فى منفعة لا تصابوا و أكرموا الجار يخصب جنابكم و آثروا حق الضعيف على أنفسكم و الزموا مع السفهاء الحلم تقل همومكم و إياكم و الفرقة فإنها ذلة و لا تكلفوا أنفسكم فوق طاقتها إلا المضطر فإنكم لن تلاموا عند اتضاح العذر و بكم قوة خير من أن تعاونوا فى الاضطرار منكم إليهم بالمعذرة و جدوا و لا تفرطوا فإن الجد مانع الضيم و لتكن كلمتكم واحدة تعزوا و يرهف حدكم و لا تبذلوا الوجوه لغير مكرميها فتكلجوها و لا تجشموها أهل الدناءة فتقصروا بها و لا تحاسدوا فتبوروا و اجتنبوا البخل فإنه داء و ابنوا المعالى بالجود و الأدب و مصافاة أهل الفضل و الحباء و ابتاعوا المحبة بالبذل و وقروا أهل الفضل و خذوا عن أهل التجارب و لا يمنعكم من معروف صغره فإن له ثوابا و لا تحقروا الرجال فتزدروا فإنما المرء بأصغريه ذكاء قلبه و لسان يعبر عنه و إذا خوفتم داهية فعليكم بالتثبت قبل العجلة و التمسوا بالتودد المنزلة عند الملوك فإنهم من وضعوه اتضع و من رفعوه ارتفع و تنبلوا تسم إليكم الأبصار و تواضعوا بالوقار ليحبكم ربكم ثم قال

و ما كل ذى لب بمؤتيك نصحه   و لا كل مؤت نصحه بلبيب
و لكن إذا ما استجمعا عند واحد   فحق له من طاعة بنصيب

و عاش صيفى بن رياح بن أكثم أحد بنى أسد بن عمر بن تميم مائتين و سبعين سنة و كان يقول لك على أخيك سلطان فى‏كل حال إلا فى القتال فإذا أخذ الرجل السلاح فلا سلطان لك عليه و كفى بالمشرفية واعظا و ترك الفخر أبقى للثناء و أسرع الجرم عقوبة البغى و شر النصرة التعدى و ألأم الأخلاق أضيقها و من سوء الأدب كثرة العتاب و أقرع الأرض بالعصا فذهبت مثلا

لذى الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا   و ما علم الإنسان إلا ليعلما

و عاش عباد بن شداد اليربوعى مائة و خمسين سنة

و عاش أكثم بن صيفى أحد بنى أسد بن عمرو بن تميم ثلاثمائة و ستين سنة و قال بعضهم مائة و تسعين سنة و أدرك الإسلام فاختلف فى إسلامه إلا أن أكثرهم لا يشك فى أنه لم يسلم فقال فى ذلك:

و إن امرأ قد عاش تسعين حجة   إلى مائة لم يسأم العيش جاهل
خلت مائتان غير ست و أربع   و ذلك من عد الليالى‏قلائل

و قال محمد بن سلمة أقبل أكثم بن صيفى يريد الإسلام فقتله ابنه عطشا فسمعت أن هذه الآية نزلت فيه وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ و لم تكن العرب تقدم عليه أحدا فى‏الحكمة و إنه لما سمع برسول الله (ص) بعث ابنه حليسا فقال يا بنى إنى أعظك بكلمات فخذ بهن من حين تخرج من عندى إلى أن ترجع إلى ائت نصيبك فى شهر رجب فلا تستحله فيستحل منك فإن الحرام ليس يحرم نفسه و إنما يحرمه أهله و لا تمرن بقوم إلا نزلت عند أعزهم و أحدث عقدا مع شريفهم و إياك و الذليل فإنه أذل نفسه و لو أعزها لأعزه قومه فإذا قدمت على هذا الرجل فإنى قد عرفته و عرفت نسبه و هو فى بيت قريش و أعز العرب و هو أحد رجلين إما ذو نفس أراد ملكا فخرج للملك بعزة فوقره و شرفه و قم بين يديه و لا تجلس إلا بإذنه حيث يأمرك و يشير إليك فإنه إن كان ذلك كان أدفع لشره عنك و أقرب لخيره منك فإن كان نبيا فإن الله لا يحس فيتوهم و لا ينظر فيتجسم و إنما يأخذ الخيرة حيث يعلم لا يخطئ فيستعتب إنما أمره على ما يحب و إن كان نبيا فستجد أمره كله صالحا و خبره كله صادقا و ستجده متواضعا فى نفسه متذللا لربه فذل له فلا تحدثن أمرا دونى فإن الرسول إذا أحدث الأمر من عنده خرج من يدى‏الذى أرسله و احفظ ما يقول لك إذا ردك إلى فإنك لو توهمت أو نسيت جشمتنى رسولا غيرك.

و كتب معه باسمك اللهم من العبد إلى العبد أما بعد فأبلغنا ما بلغك فقد أتانا عنك خبر لا ندرى ما أصله فإن كنت أريت فأرنا و إن كنت علمت فعلمنا و أشركنا فى كنزك و السلام.

فكتب إليه رسول الله (ص) فيما ذكروا من محمد رسول الله إلى أكثم بن صيفى أحمد الله إليك إن الله تعالى أمرنى أن أقول لا إله إلا الله و آمر الناس بقولها و الخلق خلق الله عز و جل و الأمر كله لله خلقهم و إماتتهم و هو ينشرهم و إليه المصير أدبتكم ب‏آداب المرسلين و لتسألن عن النبأ العظيم و لتعلمن نبأه بعد حين.

فلما جاءه كتاب رسول الله (ص) قال لابنه يا بنى ما ذا رأيت قال رأيته يأمر بمكارم الأخلاق و ينهى عن ملائمها فجمع أكثم بن صيفى إليه بنى تميم ثم قال يا بنى تميم لا تحضرونى سفيها فإن من يسمع يخل و لكل إنسان رأى فى نفسه و إن السفيه واهن الرأى و إن كان قوى البدن و لا خير فيمن لا عقل له.

يا بنى تميم كبرت سنى و دخلتنى ذلة الكبر فإذا رأيتم منى حسنا فأتوه و إذا أنكرتم منى شيئا فقومونى بالحق أستقم له إن ابنى‏قد جاءنى و قد شافه هذا الرجل فرآه يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يأخذ بمحاسن الأخلاق و ينهى عن ملائمها و يدعو إلى أن يعبد الله وحده و تخلع الأوثان و يترك الحلف بالنيران و يذكر أنه رسول الله و أن قبله رسلا لهم كتب و قد علمت رسولا قبله كان يأمر بعبادة الله عز و جل وحده إن أحق الناس بمعاونة محمد (ص) و مساعدته على أمره أنتم فإن يكن الذى يدعو إليه حقا فهو لكم و أن يك باطلا كنتم أحق من كف عنه و ستر عليه.

و قد كان أسقف نجران يحدث بصفته و لقد كان سفيان بن مجاشع قبله يحدث به و سمى ابنه محمدا و قد علم ذوو الرأى منكم أن الفضل فيما يدعو إليه و يأمر به فكونوا فى أمره أولا و لا تكونوا أخيرا اتبعوه تشرفوا و تكونوا سنام العرب و ائتوه طائعين من قبل أن تأتوه كارهين فإنى أرى أمرا ما هو بالهوينا لا يترك مصعدا إلا صعده و لا منصوبا إلا بلغه إن هذا الذى يدعو إليه لو لم يكن دينا لكان فى الأخلاق حسنا أطيعونى و اتبعوا أمرى أسأل لكم ما لا ينزع منكم أبدا إنكم أصبحتم أكثر العرب عددا و أوسعهم بلدا و إنى لأرى أمرا لا يتبعه ذليل إلا عز و لا يتركه عزيز إلا ذل اتبعوه مع عزكم تزدادوا عزا و لا يكن أحد مثلكم إن الأول لم يدع للآخر شيئا و إن هذا أمر لما هو بعده من سبق إليه فهو الباقى و اقتدى به الثانى فأصرموا أمركم فإن الصريمة قوة و الاحتياط عجز.

فقال مالك بن نويرة خرف شيخكم فقال أكثم ويل للشجى من الخلى أراكم سكوتا و إن آفة الموعظة الإعراض عنها.

ويلك يا مالك إنك هالك إن الحق إذا قام وقع القائم معه و جعل الصرعى قياما فإياك أن تكون منهم أما إذا سبقتمونى بأمركم فقربوا بعيرى أركبه فدعا براحلته فركبها فتبعوه بنوه و بنو أخيه فقال لهفى على أمر لن أدركه و لم يسبقنى.

و كتبت طى‏ء إلى أكثم فكانوا أخواله و قال آخرون كتبت بنو مرة و هم أخواله أن أحدث إلينا ما نعيش به فكتب.

أما بعد فإنى أوصيكم بتقوى الله و صلة الرحم فإنها تثبت أصلها و تنبت فرعها و أنهاكم عن معصية الله و قطيعة الرحم فإنها لا يثبت لها أصل و لا ينبت لها فرع و إياكم و نكاح الحمقاء فإن مباضعتها قذر و ولدها ضياع و عليكم بالإبل فأكرموها فإنها حصون العرب و لا تضعوا رقابها إلا فى حقها فإن فيها مهر الكريمة و رقوء الدم و بألبانها يتحف الكبير و يغذى الصغير و لو كلفت الإبل الطحن لطحنت و لن يهلك امرؤ عرف قدره و العدم عدم العقل و المرء الصالح لا يعدم من المال و رب رجل خير من مائة و رب فئة أحب إلى‏من قبيلتين و من عتب على الزمان طالت معتبته و من رضى بالقسم طابت معيشته آفة الرأى الهوى و العادة أملك بالأدب و الحاجة مع المحبة خير من الغنى مع البغضة و الدنيا دول فما كان لك منها أتاك على ضعفك و إن قصرت فى طلبه و ما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك و سوء حمل الفاقة تضع الشرف و الحسد داء ليس له دواء و الشماتة تعقب و من بر يوما بر به و اللومة مع السفاهة و دعامة العقل الحلم و جماع الأمر الصبر و خير الأمور مغبة العفو و أبقى المودة حسن التعاهد و من يزر غبا يزدد حبا.

وصية أكثم بن صيفى عند موته جمع أكثم بنيه عند موته فقال يا بنى إنه قد أتى على دهر طويل و أنا مزودكم من نفسى قبل الممات

أوصيكم بتقوى الله و صلة الرحم و عليكم بالبر فإنه ينمى عليه العدد و لا يبيد عليه أصل و لا يهتصر فرع فأنهاكم عن معصية الله و قطيعة الرحم فإنه لا يثبت عليها أصل و لا ينبت عليها فرع كفوا ألسنتكم فإن مقتل الرجل بين فكيه إن قول الحق لم يدع لى‏صديقا انظروا أعناق الإبل و لا تضعوها إلا فى حقها فإن فيها مهر الكريمة و رقوء الدم و إياكم و نكاح الحمقاء فإن نكاحها قذر و ولدها ضياع الاقتصاد فى السفر أبقى للجمام من لم يأس على ما فاته ودع بدنه من قنع بما هو فيه قرت عينه التقدم قبل التندم أن أصبح عند رأس الأمر أحب إلى من أن أصبح عند ذنبه لم يهلك امرؤ عرف قدره العجز عند البلاء آفة التجمل لم يهلك من مالك ما وعظك ويل لعالم أمن من جهله الوحشة ذهاب الأعلام يتشابه الأمر إذا أقبل فإذا أدبر عرفه الكيس و الأحمق البطر عند الرخاء حمق و فى طلب المعالى‏يكون العز و لا تغضبوا من اليسير فإنه يجنى الكثير لا تجيبوا فيما لم تسألوا عنه و لا تضحكوا مما لا يضحك منه تباروا فى الدنيا و لا تباغضوا الحسد فى القرب فإنه من يجتمع يتقعقع عمده يتقرب بعضكم من بعض فى المودة لا تتكلوا على القرابة فتقاطعوا فإن القريب من قرب نفسه و عليكم بالمال فأصلحوه فإنه لا يصلح الأموال إلا بإصلاحكم و لا يتكلن أحدكم على مال أخيه يرى فيه قضاء حاجته فإنه من فعل ذلك كالقابض على الماء و من استغنى كرم على أهله و أكرموا الخيل نعم لهو الحرة المغزل و حيلة من لا حيلة له الصبر

و عاش قردة بن ثعلبة بن نفاثة السلولى مائة و ثلاثين سنة فى الجاهلية ثم أدرك الإسلام فأسلم.

و عاش مصاد بن جناب بن مرارة من بنى عمرو بن يربوع بن حنظلة بن زيد بن مناة أربعين و مائة سنة.

و عاش قس بن ساعدة الأيادى ستمائة سنة و هو الذى يقول

هل الغيث معطى الأمن عند نزوله   بحال مسى‏ء فى الأمور و محسن
و ما قد تولى و هو قد فات ذاهبا   فهل ينفعنى ليتنى و لو أننى

و كذلك يقول لبيد

و عاش الحارث بن كعب المذحجى ستين و مائة سنة

قال مصنف هذا الكتاب رضى الله عنه هذه الأخبار التى ذكرتها فى‏المعمرين قد رواها مخالفونا أيضا من طريق محمد بن السائب الكلبى و محمد بن إسحاق بن بشار و عوانة بن الحكم و عيسى بن زيد بن آب و الهيثم بن عدى الطائى

و قد روى عن النبى (ص) أنه قال كلما كان فى الأمم السالفة يكون فى هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة و قد صح هذا التعمير فيمن تقدم و صحت الغيبات الواقعة بحجج الله (ع) فيما مضى من القرون. فكيف السبيل إلى إنكار القائم (ع) لغيبته و طول عمره مع الأخبار الواردة فيه عن النبى‏ص و عن الأئمة (ع) و هى التى قد ذكرناها فى هذا الكتاب بأسانيدها

حدثنا على بن أحمد الدقاق رضى الله عنه قال حدثنا محمد بن أبى عبد الله الكوفى عن موسى بن عمران النخعى عن عمه الحسين بن يزيد النوفلى عن غياث بن إبراهيم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (ع) قال قال رسول الله (ص) كلما كان فى الأمم السالفة فإنه يكون فى هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال حدثنا الحسن بن على‏السكرى قال حدثنا محمد بن زكريا عن جعفر بن محمد بن عمارة عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (ع) قال قال رسول الله (ص) و الذى بعثنى بالحق نبيا و بشيرا لتركبن أمتى سنن من كان قبلها حذو النعل بالنعل حتى لو أن حية من بنى إسرائيل دخلت فى جحر لدخلت فى هذه الأمة حية مثلها

حدثنا الشريف أبو الحسن على بن موسى بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عبيد الله رضى الله عنه قال حدثنا أبو على‏الحسن بن ركام قال حدثنا أحمد بن محمد النوفلى قال حدثنى أحمد بن هلال عن عثمان بن عيسى الكلابى عن خالد بن نجيح عن حمزة بن حمران عن أبيه عن سعيد بن جبير قال سمعت سيد العابدين على بن الحسين بن على بن أبى طالب (ع) يقول فى القائم منا سنن من الأنبياء (ع) سنة من نوح و سنة من إبراهيم و سنة من موسى و سنة من عيسى و سنة من أيوب و سنة من محمد (ص) و أما من نوح ع فطول العمر و أما من إبراهيم فخفاء الولادة و اعتزال الناس و أما من موسى فالخوف و الغيبة و أما من عيسى فاختلاف الناس فيه و أما من أيوب (ع) فالفرج بعد البلوى و أما من محمد (ص) فالخروج بالسيف

فمتى صح التعمير لمن تقدم عصرنا و صح الخبر بأن السنة بذلك جارية فى القائم (ع) الثانى عشر من الأئمة (ع) لم يجز إلا أن يعتقد أنه لو بقى فى غيبته ما بقى لم يكن القائم غيره و أنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما كما روى‏عن النبى (ص) و عن الأئمة (ع) بعده. و لا يحصل لنا الإسلام إلا بالتسليم لهم فيما يرد و يصح عنهم و لا حول و لا قوة إلا بالله العلى العظيم.

و ما فى الأزمنة المتقدمة من أهل الدين و الزهد و الورع إلا مغيبين لأشخاصهم مستترين لأمرهم يظهرون عند الإمكان و الأمن و يغيبون عند العجز و الخوف و هذا سبيل الدنيا من ابتدائها إلى وقتنا هذا فكيف صار أمر القائم (ع) فى غيبته من دون جميع الأمور منكرا إلا لما فى نفوس الجاحدين من الكفر و الضلال و عداوة الدين و أهله و بغض النبى و الأئمة بعده (ع).