تفسير سوره فاتحة الكتاب
سيد جلال الدين آشتيانى
- ۱۱ -
مرآه العارفين
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الذى اخرج من النون ماادرج فى القلم ,
وابرز الى الوجود بالجود مـااكـنـز فـى العدم ,وفتق مارتق , واظهر ماكتم , وعلم
بالقلم الملقب بام الكتاب واللوح المحفوظ المسمى بالكتاب المبين مالم يعلم , وفضل
وقدر فى النفس مافى العقل اجمل , وقضى وحكم واخرج الـلـوح بـيـمينه من يساره كما
اخرج حوا من جنب آدم (ع ) كماقال اللّه تعالى وتقدس : ربكم الذى خـلـقـكـم مـن
نـفـس واحده وهى العقل وخلق منها زوجها وهى النفس وبث منهما رجالاكثيرا ونـسـا
((184)) وهـى الـعقول والنفوس , ففتح بالهبا الموسوم بالهيولى والعنقا صوره
العالم , وفتق السماوات والارض من الرتق المكنى بالعنصر الاعظم .
فسبحان من عين الاعيان بالفيض الاقدس الاقدم , وكون الاكوان بالفيض المقدس المقدم ,
واظهر الـقـدم بـالـحـدوث ,والحدوث بالقدم , ونشر الرق المنشور, وكتب الكتاب
المسطور بمداد الوجود المبرز ماكمن فى باطن المتكلم من الحروف والكلمات التامات ,
واتم واثبتهما فيه , ورقم ورتبهما, ونظم وكملها وتمم , وفى الفاتحه مافصل فى الكتاب
ادرج وادغم .
ومافى الفاتحه فى البسمله , وما فيها ستر فى البا, ومافيها ابطن فى النقطه واضمر
وابهم .
وصـلـى اللّه تـعـالى على الاسم الاعظم والرد المعلم , والممد للهمم بالقول الاقوم
محمد, فتح به الكتاب وختم , وميزالباطل من الحق , والنور من الظلم , وعلى آله
واصحابه وسلم .
امـا بعد, فانى اجبت سوالك ايها الولد الصالح لما سالتنى ان اثبت وارقم لك فى هذا
المختصر شيئا مـما قدر اللّه لى فى تحقيق فاتحه الكتاب التى هى ام الكتاب بلسان اهل
اللّه وخاصته , وسميته مرآه العارفين فى ملتمس زين العابدين ,واسال العون من موجد
الكون , فانه المستعان وعليه التكلان .
اعـلم ايها الولد المويد, ان العالم عالمان : عالم الامر وعالم الخلق , وكل واحد
منهما كتاب من كتب اللّه , ولـكـل فـاتـحـه ,وجميع مافى الكتاب مفصل فى الفاتحه
مجمل , فباعتبار اجمال مافصل فى الـكـتاب فيها سميت بام الكتاب , وباعتبارتفصيل
مااجمل فيها ـ فيما يلى مرتبتهماـ سم يت مرتبه التفصيل بالكتاب المبين , وكل موجود
حرف باعتبار, وكلمه باعتبار, ومفرد ومقطع باعتبار, والفاظ مـركـبـه بـاعـتـبار,
وسوره باعتبار, لانا اذا نظرنا فى ذات كل موجود من غير ان ننظر فى وجوهها وخـواصها
وعوارضها ولوازمها وجدناها مجرده عن الكل , فباعتبار تجردها عن الكل سميناها حرفا,
واذا نـظـرنـاالـى وجـوهـها وخواصها وعوارضها ولوازمها واضفناها اليها فباعتبار
اضافه الكل اليها سـمـيناها كلمه , وباعتبار تجردكل موجود عن المضافات والمنسوبات
وتمييز بعضها عن بعض سم يت حروفا مقطعه مفرده , وباعتبار عدم تجردها عن المضافات
والمنسوبات وعدم تمييز بعضها عن بـعض بل تداخل بعضها فى البعض سميت الفاظا مركبه ,
وباعتبار تمييزكلمات المركب بعضها عن بعض ووقوع كل موجود فى مرتبه سميت سوره .
فاذا فهمت هذا فاعلم ايضا ان الحق مبدا الكل ومعاده واليه يرجع الامر كله , والى
اللّه عاقبه الامور, ولابد ان يكون الك فيه قبل كونه , ولابد ان يكون فى الكل هو,
اذا اثبت انه كان ولاشئ معه وهو الان كـمـا كـان , فـذات الحق سبحانه وتعالى
باعتبار اندراج الكل فيها هى ام الكتاب , وعلمه هو الكتاب المبين باعتبار تفصيل
مااندرج فى الذات التى قلنافيها انها ام الكتاب وظهور ماكمن فيها.
فعلمه بذاته مستلزم لعلمه بجميع الاشيا, اذن جميع الاشيا كانت مندرجه فيه كاندراج
الشجره فى النواه .
فـالعلم الذى قلنا فيه انه هو الكتاب المبين مرآه للذات التى قلنا فيها انها ام
الكتاب , والذات ظاهر فـيـهـا, لان الـعـلم هو اول ماتعين به الذات , فالذات هى
امالكتاب , من الحقائق الالهيه , والعلم هو الكتاب المبين من الحقائق الالهيه , كما
ان القلم هو امالكتاب من الحقائق الكونيه , واللوح المحفوظ هو الكتاب المبين من
الحقائق الكونيه .
فـبـيـن الـذات والـقـلم مضاهاه من جهه الاجمال والكليه , وكون الاشيا فيهما على
الوجه الكلى , وكـذلـك بـيـن الـلوح والعلم مشابهه من جهه التفصيل , وظهور الاشيا
فيهما على الوجه الجزئى , فـالـقـلـم مـن هـذا الوجه فى المرتبه الكونيه مرآه الذات
, فما فى الذات مندرج على الوجه الكلى والاجـمـالى , فهو فى القلم مودع على الوجه
الكلى والاجمالى , واللوح المحفوظ ايضا من هذا الوجه فى المرتبه الكونيه مرآه العلم
, فما فى العلم على الوجه الجزئى والتفصيلى فهو فى اللوح ظاهر على الوجه الجزئى
والتفصيلى .
فـكـمـا علمت ان لعالم الامر كتابا مجملا ملقبا بام الكتاب , وكتابا مفصلا موسوما
بالكتاب المبين , والكتاب المجمل هوالعقل , والكتاب المبين هو اللوح المحفوظ, فاعلم
كذلك ان لعالم الملك كتابا مجملا هو العرش , وكتابا مفصلا هوالكرسى , فباعتبار
اندراج ما يراد ان يفصل فى الكرسى ماكان فى الـعـرش مـجـملا يقال له امالكتاب ,
وباعتبار تفصيل ماكان فى العرش مجملا فى الكرسى يقال له الكتاب المبين , فبين العرش
والقلم مضاهاه من جهه الاجمال وكون الاشيافيهما على الوجه الكلى , وكـذلـك بـيـن
الـكـرسـى والـلـوح مـنـاسـبه من جهه مظهريتهما, ومن جهه تقسيم امر واحد
فيهمابالقسمين , ومن جهه ظهور الاشيا فيهما على الوجه الجزئى والتفصيلى .
فـالـعـرش مـن هـذا الوجه فى المرتبه الحسيه مرآه القلم , فما فى القلم مندرج على
الوجه الكلى والاجمالى فهو فى العرش مندرج كذلك .
والكرسى ايضا من هذا الوجه فى المرتبه الحسيه مرآه اللوح المحفوظ, فما فى اللوح
المحفوظ ثابت على الوجه الجزئى والتفصيلى فهو فى الكرسى ثابت على الوجه الجزئى
والتفصيلى .
فالقلم المكنى بالعقل انموذج الذات ومرآتها ومظهرها ومنصتها ومجلاها, واللوح المسمى
بالنفس انـمـوذج الـقـلم ومرآته ومظهره ومنصته ومجلاه , والعرش انموذج القلم ومرآته
ومظهره ومنصته ومـجـلاه , والـكـرسى انموذج اللوح ومرآته ومظهره ومنصته ومجلاه ,
فالعقل نسخه الذات , واللوح نسخه العلم , والعرش نسخه القلم , والكرسى نسخه اللوح .
وامـا الانـسـان الكامل فهو نسخه جامعه لجميع النسخ , وهو المستخرج والمستنبط من
الكل , وهو الجامع بين الحقائق الالهيه والكونيه , فكما ان ذات الحق كتاب جملى
وامجامع لجميع الكتب قبل تـفـصـيـلـها, وعلمه تعالى بنفسه كتاب مبين تفصيلى مفصل
مبين فيه ماكان فى الذات مضمرا, كـذلـك الانـسـان الكامل كتاب جملى وام جامع لجميع
الكتب بعدتفصيلها, وعلمه بنفسه كتاب مـبين تفصيلى مفصل مبين فيه ماكان فى الانسان
الكامل مجملا, فعلم الانسان الكامل بذاته مرآه لـذاتـه , وذاتـه ظاهره فيه ومميزه
به , كما ان علم الحق بذاته مرآه لذاته
((185)) وذاته ظاهره فيه متعينه به .
فـبـيـن ذات الـحق سبحانه وذات الانسان الكامل مضاهاه من جهه الكليه والاجمال ,
وكون الاشيا فـيـهـمـا عـلـى الـوجه الكلى والاجمالى , وبين علم الحق وعلم الانسان
الكامل مضاهاه من حيث مظهريته لتفصيل مااجمل , فالانسان الكامل مرآه تامه للذات
بسبب هذه المضاهاه , والذات متجليه عـلـيـه على الوجه الكلى والجملى , وعلم الانسان
الكامل مرآه لعلم الحق , وعلم الحق متجل عليه وظـاهـر به , فما فى الذات مندرج على
الوجه الكلى والاجمالى فهو فى الانسان الكامل مندرج على ذلـك الـوجـه , ومافى علم
الحق ظاهر على الوجه الجزئى والتفصيلى فهو فى علم الانسان الكامل ظـاهـر عـلـى
الـوجـه الـجزئى والتفصيلى , بل علمه علمه , وذاته ذاته , بلااتحاد معه ولاحلول فيه
ولاصـيـرورتـه هـو, لانـها محال ,لان الاتحاد يحصل من ا وجود واحد, والاشياموجوده
به , معدومه بنفسها, فكيف يت حد من هو موجود به ومعدوم بنفسه ؟
ولو تسمع الاتحاد من اهل اللّه , او تجد فى مـصنفاتهم فلاتفهم مافهمت من الاتحاد
الذى قلنا فيه انه يحصل من الوجودين , اذ ليس مرادهم ب شـهـود الـوجود الحق الواحد
المطلق الذى الكل به موجود, فيتحد به الكل من حيث كون كل شئ موجودا به ومعدوما فى
نفسه , لامن حيث ان له وجودا خاصا اتحد به الكل , فانه محال .
ولـهـذا الـوجود الواحد ظهور وهو العالم , وبطون وهو الاسما, وبرزخ جامع فاصل
بينهما ليتميز به الظهور عن البطون وهو الانسان الكامل .
فالظهور مرآه الظهور, والبطون مرآه البطون , وماكان بينهما فهو مرآه جمعا وتفصيلا.
واذا تقرر هذا فلنرجع الى ماكنا بسبيله , فنقول : كما ان بين ذات الحق وذات الانسان
الكامل وعلم الـحـق وعـلمه مضاهاه ,وان كل مافيها مجمل فهو فيها مجمل , وكل مافيه
مفصل فهو فيه مفصل , كـذلـك بـيـن الـقلم وروح الانسان واللوح وقلب الانسان والعرش
وجسم الانسان والكرسى ونفس الانـسـان مضاهاه , وكل واحد منها مرآه لما يضاهيه , فكل
مافى القلم مجمل فهو فى روحه مجمل , وكل ما فى اللوح مفصل فهو فى قلبه مفصل , وكل
مافى العرش مجمل فهو فى جسمه مجمل , وكل مافى الكرسى مفصل فهو فى نفسه مفصل .
فـالانـسـان كتاب جامع لجميع الكتب الالهيه والكونيه , كما قلنا فى الحق : ان علمه
بذاته مستلزم لعلمه بجميع الاشيا,وانه يعلم جميع الاشيا من علمه بذاته , كذلك نقول
فى حق الانسان الكامل ان عـلـمـه بـذاته مستلزم لعلمه بجميع الاشيا, وانه يعلم جميع
الاشيا من علمه بذاته , لانه هو جميع الاشيا اجمالا وتفصيلا.
فمن عرف نفسه فقد عرف ربه وعرف جميع الاشيا.
فـفـكرك ياولدى فيك يكفيك , فليس شئ خارجا منك كما قال ابى
((186)) اميرالمومنين عليبن ابى طالب كرم اللّه وجهه
((187)) :.
داوك فـيـك ومـاتشعر ودواوك منك وما تبصر وتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم
الاكبر وانـت الـكتاب المبين الذى باحرفه يظهر المضمر فلاحاجه لك من خارج وفكرك فيك
وماتفكر اما تـسـمـع كيف يقول الحق عزوجل : اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا
((188)) ؟
فمن قرا هذا الكتاب فقد علم ماكان وماهو كائن وماهويكون , فان لم تقرا بتمامه فاقرا
ماتيس ر منه .
الا تـرى كـيـف يـقـول الـحـق سبحانه : سنريهم آياتنا فى الافاق وفى انفسهم حتى
يتبين لهم انه الحق
((189)) ؟
وكيف يقول سبحانه وتعالى : وفى انفسكم افلاتبصرون
((190)) , وكيف يقول سبحانه وتـعالى : الم ذلك الكتاب لاريب فيه
((191)) ,الالف ى شار به الى الذات الاحديه , اى الحق من حيث هو اول الاشيا فى
ازل الازال .
والـلام يـشـار بـه الى الوجود المنبسط على الاعيان , لان اللام له قائمه وهى الالف
, وله ذ يل وهى دائره النون .
والنون عباره عن دائره الكون , فاتصال القائمه بالذيل دليل انبساط الوجود على الكون
الجامع .
والميم يشار به الى الكون الجامع وهو الانسان الكامل , فالحق والعالم والانسان
الكامل كتاب لاريب فيه ,ولذلك قال اللّه تعالى : قل كفى باللّه شهيدا بينى وبينكم
ومن عنده علم الكتاب
((192)) .
فـهـذا ياولدى هو الكتاب وعلم الكتاب , وانت كما قلت وعلمك بك علم الكتاب ولارطب اى
عالم الملك و فى كتاب مبين وهو انت .
وامـا الـكتاب الذى انزل على الانسان الكامل فهو بيان المراتب الكليه الجمليه
والجزئيه التفصيليه الانسانيه , فهو بيان الكتاب , والانسان الكامل مرتبه وحدته
وجمعيته , وقد فصل مراتب تفصيله , لانه بـيـن الـفـرق بـيـن مقاماته ومراتبه
واطواره وادواره وذاته وصفاته وافعاله , لانه يحكى عن الذات والاسـمـا والصفات
والافعال , وعن العوالم واهلها, ومراتب العوالم واهلها, واحوال العوالم واهلها فى
كل موطن من المواطن , وعن اقتضا اهلها اجمالا وتفصيلا.
فـهـذه تـفاصيل مراتب الانسان , وهو مجموع جميعها, فثبت ان هذا الكتاب معرف الانسان
ومبين مراتبه الكليه والجزئيه .
واذا تـقـرر هـذا فاعلم ان لهذا الكتاب المنزل على الانسان الكامل فاتحه تسمى
بامالكتاب وجميع مافى الكتاب مفصل فيها مجمل , ومافيها مجمل فهو فى الكتاب مفصل .
والـفاتحه فى البسمله , والبسمله فى البا, والبا فى النقطه مندرجه , فهى امالكتاب ,
وجميع الكتاب كائن فيه الحروف المقطعات والمتصلات والالفاظ والكلمات والسور والايات
.
والـكـتـاب عـباره عن انبساطها وتعينها بجميعها, واندراج الكل فيها عباره عن عدم
انبساطها, اذ ماثمه شئ غيرها.
فـمـن عـرف مـاقـلـنـا عـرف مـعـنـى قـوله تعالى : الم تر الى ربك كيف مد الظل ولو
شا لجعله سـاكـنـا
((193)) فـمد الظل عباره عن انبساط النقطه الوجوديه وتعينها بتعينات الحروف
الالهيه والـكـونـيـه , والـسكون عباره عن عدم انبساط النقطه الوجوديه وتعينها
بتعينات الحروف الالهيه والكونيه , وعدم بقائها على بساطتها المنبهه عليها فى قوله
تعالى : كنت كنزا
((194)) فهذه النقطه البائيه اشاره الى النقطه الوجوديه , وبا البسمله اشاره
الى امالكتاب الثانى وهو القلم .
ولاريب انه كان فيه مندرجا, والبسمله اشاره الى ام الكتاب الثالث وهو العرش .
ولاشـك ان الـعـرش كان مندرجا فى العقل الذى هو القلم , والفاتحه اشاره الى الكتاب
الجامع وهو الانـسـان , ولاشـك ان الانـسان قبل ظهوره كان مندرجا فى جميع المراتب
كاندراج الكل فيه بعد ظـهـوره , وانبساط النقطه فى ذاتها اشاره الى الكتاب المبين
الاول , وانبساط البا بالسين اشاره الى الكتاب المبين الثانى , وتفصيل حروف البسمله
وتداخل بعضها فى البعض اشاره الى الكتاب المبين الـثـالـث , وتكرار مافى البسمله فى
الفاتحه وتضاهى بعضها للبعض اشاره الى الكتاب المبين الرابع , وجميع القرآن من
الفاتحه اشاره الى مراتب العالم واجزا,ها, فافهم .
واذا تقرر هذا, فاعلم ان الفاتحه تنقسم على ثلاثه اقسام : قسم متعلق بالحق , وقسم
متعلق بالخلق , وقـسـم جـامع بينهما,كما روى ابوهريره عن النبير انه قال : من صلى
صلاه لمتقرا فيها امالكتاب , فهى خداج ثلاثا, اى غير تمام .
فقيل : لابى هريره انا نكون ورا الامام , قال : اقراها فى نفسك , فانى سمعت رسول
اللّه ر يقول : قال اللّه تـعـالـى : قـسـمت الصلاه بينى وبين عبدى نصفين ولعبدى
ماسال , فاذا قال العبد: الحمد للّه رب الـعـالـمين قال اللّه حمدنى عبدى , واذاقال
: الرحمن الرحيم قال اللّه تعالى : اثنى على عبدى , واذا قال : ملك يوم الدين قال
اللّه تعالى : مجدنى عبدى , واذا قال العبد: اياك نعبد واياك نستعين قال اللّه
تعالى : هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ماسال , واذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط
الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولاالضالين قال اللّه تعالى : هذا لعبدى
ولعبدى ماسال .
فـالـفـاتـحه من اولها الى ملك يوم الدين متعلق بالحق الصرف واياك نعبد واياك
نستعين متعلق بالحق والعبد, ومن اهدناالصراط المستقيم الى آخر الفاتحه متعلق بالعبد
الصرف .
ولـتـحـقيق هذه الاقسام الثلاثه رسمنا دائره وقسمناها بقسمين بسبب خط مار
بينهما, وجعلناها قسما للحق , وقسماللعبد, وقسما جامعا لهما, وهى هذه : واعلم ان
هذه الدائره الكليه مشتمله على جميع الموجودات جبروتها وملكوتهاوبرزخ جامع , وملكها
فما يتعلق بالحق منها يسمى بالجبروت , ومـايـتـعـلـق بـالعبد ينقسم قسمين : قسم سمى
بالملكوت وقسم سمى بالملك , فان للعبد روحا وجسما, روحه شامل للملكوت , وجسمه شامل
للملك .
ومايتعلق بالحق والعبدمعا سمى بالحقيقه الكليه الانسانيه .
والـقـسـم الـذى يتعلق بالعبد كما قسم قسمين وسمى كل قسم باسم , كذلك خصص قسم باهل
الـسعاده والهدايه , وهو من اهدنا الصراط المستقيم الى انعمت عليهم وقسم باهل
الشقاوه والضلاله وهـو مـن غـير المغضوب عليهم الى ولاالضالين وذلك لان عالم
الجبروت جامع للجلال والجمال , ولابـد ان يـكـون لهما مظهران , ليظهر بهما
احكامهما, فاهل السعاده والهدايه وهم اصحاب اليمين مـظـهـر الـجمال , واهل الشقاوه
والضلاله وهم اصحاب الشمال مظهر الجلال , ولابد ان يكون لهما مـقامان , ليظهر فيهما
احكامهما واخلاقهما واعمالهما, وهما الجنه والنار, وجميع ذلك مندرج فى القسم الذى
يتعلق بالعبد.
وامـا الـقـسـم الـمـتـعـلق بالحق والعبد معا الذى سمى بالحقيقه الكليه الانسانيه
فهو مرتبه اهل الـكـمال
((195)) , ومقام المطلع ,ومنزل الاشراف على الاطراف , وموقف الاعراف , وفيه
رجال كما قـال اللّه تعالى : وعلى الاعراف ر جال يعرفون كدبسيماهم
((196)) لانهم محيطون على الكل , ولهم الـكمال المتعلق بالذات , والجلال
والجمال مندرجان فى الكمال ,وارباب هذا الموقف هم العارفون الموحدون .
واذا تـقـرر هـذا فـاعـلـم ان فـى هـذا البرزخ يتصف الحق تعالى بصفات العبد من
الضحك والبكا والبشاشه والفرح والمكروالاستهزا والمرض والجوع والعطش ومااشبه ذلك .
والـعـبـد يـتـصـف بصفات الحق تعالى من الحياه والعلم والاراده والقدره والسمع
والبصر والكلام والاحيا والاماته والانبساط والانقباض والتصرف فى الالوان وغير ذلك
.
فـهـذا الـبـرزخ هو مرتبه التنزل الربانى ليتصف الرب فيها بالصفات العبدانيه ,
ومرتبه ارتفاع العبد لـيـتصف العبد فيهابالصفات الربانيه , فهى العما المذكور فى
((197)) الحديث المشهور, ولولا انى اخاف التطويل والاعراض عن التوحيدلذكرت فى
هذه المرتبه العمائيه اسرارها.
فـاخـذت لذلك عنان القلم واكتفيت بما يليق بهذا المختصر, فثبت على ماقررنا ان فاتحه
الكتاب جـامـعه لجميع المراتب والعوالم التى هى الكتاب , وجميع المراتب والعوالم
فيها مندرجه , ولذلك سميت بامالكتاب .
وامـا الـبـسـمـله الموسومه بام الام فهى ايضا على قسمين : قسم منها مايتعلق بالذات
وهو الـبسم وقـسـم يـتعلق بالصفات وهو الرحمن الرحيم ومابينهما فهو جامع للقسمين ,
ومقابلهما, وهى فيه جمع , وهو اللّه تعالى .
وان شـئت ان ترسم عليها دائره فارسمها واجعلها قاب قوسين بخط مار فى وسطها, فثبت ال
بسم فـى القوس الايمن والرحمن الرحيم فى القوس الايسر, واللّه فى البرزخ , لانه اسم
للذات الموصوفه بـجـيـمـع الاسـما والصفات , فهو برزخ من حيث جمعيته للقسمين , وهى
هذه : واعلم ان البسمله مشتمله على ثلاثه ايسر اسما, وهى اللّه والرحمن والرحيم
,وبرزخ جامع .
فـامـا اللّه فـهـو مـشتمل على جميع الاسما والصفات الفاعله والقابله والحقيقه
المستعده للفاعله والـقابله , فارسم فيهادائره اخرى كما قلت , واثبت الفاعله فى
الايمن والقابله فى الايسر, والحقيقه الـمـسـتـعـده لهما فى البرزخ كما ترى ,
فاشهدهكذا: واما الرحمن فهو اسم للحق باعتبار انبساط الوجود على الاعيان والرحيم
اسم له باعتبار اختصاصه من كل عين بحصه من حصص الوجود.
فـالـحق بنفسه الرحمه الامتنانيه العامه المخصصه بالرحمن , والوجوديه الخاصه
المتصله بالرحيم يـزيـد ظـهـور الـمـرحوم ,ليظهر به سر الرحمه الرحمانيه , وباعمال
المرحومين عند اعطا جزائهم رحيميه , فوقعت نسبه الرحمه بين المنتسبين ,وهو الرحمن
والرحيم والمرحوم , فافهم .
فـاذا فـهـمـت فارسم دائره لاسم الرحمن , فافعل فيها مافعلت فى غيرها, واثبت الاسم
فى القوس الايـمـن , وكليات المراتب فى الايسر, لان رحمه الرحمن وسعت كل شئ , وكل
من وسعته الرحمه فـهو مرحوم , واثبت الرحمه فى البرزخ كما تراه :و ان رحمه الرحيم
رحمه وجوديه متعلقه بالعمل , فـمـرحومها المومنون الذين يعملون الصالحات , فاثبت
اسم الرحيم فى الايمن واسم المومنين فى الايسر, والرحمه فى البرزخ كما تراه : وبهذا
الاعتبار حكم الاصول يسرى فى الفروع ,فلكل حرف من حـروف الـبـسـمـلـه والـفـاتـحـه
ولـكل سوره اجمالا, ولاياتيها وكلماتها وحروفها تفصيلا, دائره مقوسه بقوسين , وبرزخ
جامع بينهما, وذلك لايسع فى هذا المختصر ولافى جميع العوالم , كما قال اللّه تـعالى
: قل لو كان البحرمدادالكلمات ربى لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله
مددا
((198)) .
فاكتفينا على مارقمنا واللّه يقول الحق وهو يهدى السبيل , وهو حسبنا ونعم الوكيل
اللهم صل على سـيـدنـا مـحـمد, اول كل شئ , واوسط كل شئ , وآخر كل شئ كما تحب وترضى
, وعلى آله وعترته واحفاده واصحابه وعشيرته من الانبيا والمرسلين والاوليا الصالحين
برحمتك ياارحم الراحمين .
وقد فرغنا من تحرير هذه الرساله فى السابع من شهر بهمن 1374هـ ش .
|
|