ظهور ثانوى مسيح

(بلا فاصله پس از مصيبت (بزرگ)... آنها پسر انسان را خواهند ديد که در ميان ابرهاى آسمان، با قدرت وشکوهى خيره کننده مى آيد واو برگزيدگان خود را گرد هم خواهد آورد).(1)

تيره ترين ساعت دنيا به ناگاه با طلوع سپيده دم روز روشنى که عيسى مسيح باز مى گردد، پايان مى يابد. تمام کسانى که به او تعلق دارند، بطور معجزه آسايى به بدن هاى ما فوق طبيعى تبديل شده، از آزار دهندگان ضد مسيح خود، رهايى مى يابند وبه تماشايى ترين جشن پيروزى اى که تا به حال برگزار شده است، به (شام ازدواج بره) در بهشت، انتقال خواهند يافت!.(2)

در آن زمان خشم خوفناک خداوند بر ضد مسيح وپيروان اهريمنى او خواهد افتاد ومنجر به بازگشت عيسى به زمين مى شود تا امپراتورى واحد جهانى آنها را، در مواجهه اى بهت انگيز، موسوم به نبرد آرماگدون، شکستى تمام عيار داده، نابود سازد.

اين چنين، حکمرانى بى رحمانه انسان بر روى زمين، پايان مى پذيرد وعيسى ونيروهاى ما فوق بشرى، دنيا را در اختيار گرفته وبا عشق بر آن سلطنت وحکومت خواهند کرد. بدين ترتيب دوره اى موسوم به هزاره، يا هزار سال صلح وفراوانى وبهشت، براى همگان آغاز خواهد شد.(3)

احوال الشيعة عند خروج القائم وقبله وبعده

1 - حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة قال: حدثنا حميد بن زياد، عن على بن الصباح، قال: حدثنا أبو على الحسن بن محمد الحضرمى، قال: حدثنى جعفر بن محمد، عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال: أخبرنى من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا خرج القائم (عليه السلام) خرج من هذا الامر من کان يرى أنه من أهله ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر.

2 - حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسن الجعفى، قال: حدثنا إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن على بن أبى حمزة، عن المفضل بن محمد الاشعرى عن حريز عن أبى عبد الله (عليه السلام), عن أبيه، عن على بن الحسين (عليهما السلام) أنه قال: إذا قام القائم أذهب الله عن کل مؤمن العاهة، ورد إليه قوته.

3 - أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا على بن الحسن التيملى، قال: حدثنا الحسن ومحمد ابنا على بن يوسف، عن سعدان بن مسلم، عن صباح المزنى، عن الحارث بن حصيرة، عن حبة العرنى، قال: قال امير المؤمنين (عليه السلام): کأنى أنظر إلى شيعتنا بمسجد الکوفة، قد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن کما انزل، أما إن قائمنا إذا قام کسره، وسوى قبلته.

4 - أخبرنا على بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا محمد بن حسان الرازى، قال: حدثنا محمد بن على الکوفى، قال: حدثنا عبد الله ابن محمد الحجال، عن على بن عقبة بن خالد، عن أبى عبد الله (عليه السلام) أنه قال: کأنى بشيعة على فى أيديهم المثانى يعلمون الناس (المستأنف).

5 - حدثنا أبو سليمان أحمد بن هوذة قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندى، قال: حدثنا عبد الله بن حماد الانصارى، عن صباح المزنى، عن الحارث ابن حصيرة، عن الاصبغ بن نباتة، قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول: کأنى بالعجم فساطيطهم فى مسجد الکوفة يعلمون الناس القرآن کما انزل، قلت: يا امير المؤمنين أو ليس هو کما انزل؟ فقال: لا محى منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترک أبو لهب إلا ازراء على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لانه عمه.

6 - أخبرنا على بن أحمد البندنيجى، عن عبيد الله بن موسى العلوى، عمن رواه، عن جعفر بن يحيى، عن أبيه، عن أبى (عبد الله) جعفر (بن محمد) (عليهما السلام) أنه قال: کيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم (عليه السلام) الفساطيط فى مسجد کوفان، ثم يخرج إليهم المثال المستأنف، أمر جديد، على العرب شديد.

7 - أخبرنا محمد بن همام قال: حدثنى جعفر بن محمد بن مالک، قال: حدثنا أبو طاهر الوراق، قال: حدثنى عثمان بن عيسى، عن أبى الصباح الکنانى، قال: کنت عند أبى عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه شيخ وقال: قد عقنى ولدى وجفانى (إخوانى)، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أو ما علمت أن للحق دولة، وللباطل دولة کلاهما ذليل فى دولة صاحبه (فمن أصابته رفاهية الباطل اقتص منه فى دولة الحق).

8 - حدثنا أبو سليمان أحمد بن هوذة، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق النهاوندى، قال: حدثنى عبد الله بن حماد الانصارى، عن محمد بن جعفر ابن محمد (عليهما السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: إذا قام القائم بعث فى أقاليم الارض، فى کل إقليم رجلا، يقول: عهدک فى کفک فإذا ورد عليک أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى کفک واعمل بما فيها، قال: ويبعث جندا إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليج کتبوا على أقدامهم شيئا ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء، قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فکيف هو؟! فعند ذلک يفتحون لهم أبواب المدينة، فيدخلونها، فيحکمون فيها ما يشاؤون.

9 - أخبرنا عبد الواحد بن عبد الله بن يونس قال: حدثنا محمد بن جعفر القرشى، قال: حدثنى محمد بن الحسين بن أبى الخطاب، عن محمد بن سنان، عن حريز، عن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: لا تذهب الدنيا حتى ينادى مناد من السماء: يا أهل الحق اجتمعوا فيصيرون فى صعيد واحد، ثم ينادى مرة أخرى: يا أهل الباطل اجتمعوا فيصيرون فى صعيد واحد، قلت: فيستطيع هؤلاء أن يدخلوا فى هؤلاء؟ قال لا والله، وذلک قول الله عز وجل: ما کان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب.

10 - حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسن الجعفى، قال: حدثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدثنا الحسن بن على بن أبى حمزة، عن أبيه ؛ ووهيب عن أبى بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ليعدن أحدکم لخروج القائم ولو سهما، فإن الله تعالى إذا علم ذلک من نيته رجوت لان ينسئ فى عمره حتى يدرکه (فيکون من أعوانه وأنصاره).

کيف اکتمل اعداد القائد المنتظر؟

السيد محمد باقر الصدر

ونأتى الآن على السؤال الثالث القائل: کيف اکتمل إعداد القائد المنتظر مع أنه لم يعاصر أباه الإمام العسکرى إلا خمس سنوات تقريبا؟ وهى فترة الطفولة التى لا تکفى لإنضاج شخصية القائد، فما هى الظروف التى تکامل من خلالها؟

والجواب: إن المهدى عليه السلام خلف أباه فى إمامة المسلمين، وهذا يعنى أنه کان إماما بکل ما فى الإمامة من محتوى فکرى وروحى فى وقت مبکر جدا من حياته الشريفة.

والإمامة المبکرة ظاهرة سبقه إليها عدد من آبائه عليهم السلام، فالإمام محمد بن على الجواد عليه السلام تولى الإمامة وهو فى الثامنة من عمره(4) والإمام على بن محمد الهادى تولى الإمامة وهو فى التاسعة(5) من عمره، والإمام أبو محمد الحسن العسکرى(6) والد القائد المنتظر تولى الإمامة وهو فى الثانية والعشرين من عمره، ويلاحظ أن ظاهرة الإمامة المبکرة بلغت ذروتها فى الإمام المهدى والإمام الجواد، ونحن نسميها ظاهرة لأنها کانت بالنسبة إلى عدد من آباء المهدى عليه السلام تشکل مدلولا حسيا عمليا عاشه المسلمون، ووعوه فى تجربتهم مع الإمام بشکل وآخر، ولا يمکن أن نطالب بإثبات لظاهرة من الظواهر أوضح وأقوى من تجربة أمة.(7) ونوضح ذلک ضمن النقاط التالية:

أ ـ لم تکن إمامة الإمام من أهل البيت مرکزا من مراکز السلطان والنفوذ التى تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن، ويدعمها النظام الحاکم کإمامة الخلفاء الفاطميين، وخلافة الخلفاء العباسيين، وإنما کانت تکتسب ولاء قواعدها الشعبية الواسعة عن طريق التغلغل الروحى، والإقناع الفکرى لتلک القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام، وقيادته على أسس روحية وفکرية.

بـإن هذه القواعد الشعبية بنيت منذ صدر الإسلام، وازدهرت واتسعت على عهد الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، وأصبحت المدرسة التى رعاها هذان الإمامان فى داخل هذه القواعد تشکل تيارا فکريا واسعا فى العالم الإسلامى، يضم المئات من الفقهاء والمتکلمين والمفسرين والعلماء فى مختلف ضروب المعرفة الإسلامية والبشرية المعروفة وقتئذ، حتى قال الحسن بن على الوشا: إنى دخلت مسجد الکوفة فرأيت فيه تسعمائة شيخ(8) کلهم يقولون حدثنا جعفر بن محمد.جـإن الشروط التى کانت هذه المدرسة وما تمثله من قواعد شعبية فى المجتمع الإسلامى، تؤمن بها وتتقيد بموجبها فى تعيين الإمام والتعرف على کفاءته للإمامة، شروط شديدة، لأنها تؤمن بأن الإمام لا يکون إماما إلا إذا کان أعلم علماء عصره.(9)

د ـ إن المدرسة وقواعدها الشعبية کانت تقدم تضحيات کبيرة فى سبيل الصمود على عقيدتها فى الإمامة، لأنها کانت فى نظر الخلافة المعاصرة لها تشکل خطا عدائيا، ولو من الناحية الفکرية على الأقل، الأمر الذى أدى إلى قيام السلطات وقتئذ وباستمرار تقريبا حملات من التصفية والتعذيب، فقتل من قتل، وسجن من سجن، ومات فى ظلمات المعتقلات المئات.و هذا يعنى أن الاعتقاد بإمامة أئمة أهل البيت کان يکلفهم غاليا،(10) ولم يکن له من الإغراءات سوى ما يحس به المعتقد أو يفترضه من التقرب إلى الله تعالى والزلفى عنده.

هـ إن الأئمة الذين دانت هذه القواعد لهم بالإمامة لم يکونوا معزولين عنها، ولا متقوقعين فى بروج عالية شأن السلاطين مع شعوبهم، ولم يکونوا يحتجبون عنهم إلا أن تحجبهم السلطة الحاکمة بسجن أو نفى، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الکبير من الرواة والمحدثين عن کل واحد من الأئمة الأحد عشر، ومن خلال ما نقل من المکاتبات التى کانت تحصل بين الإمام ومعاصريه، وما کان الإمام يقوم به من أسفار من ناحية، وما کان يبثه من وکلاء فى مختلف أنحاء العالم الإسلامى من ناحية أخرى، وما کان قد اعتاده الشيعة من تفقد أئمتهم وزيارتهم فى المدينة المنورة عند ما يؤمون الديار المقدسة من کل مکان لأداء فريضة الحج،(11) کل ذلک يفرض تفاعلا مستمرا بدرجة واضحة بين الإمام وقواعده الممتدة فى أرجاء العالم الإسلامى بمختلف طبقاتها من العلماء وغيرهم.

و ـ إن الخلافة المعاصرة للأئمة عليهم السلام کانت تنظر إليهم وإلى زعامتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطر کبير على کيانها ومقدراتها، وعلى هذا الأساس بذلت کل جهودها فى سبيل تفتيت هذه الزعامة، وتحملت فى سبيل ذلک کثيرا من السلبيات، وظهرت أحيانا بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرها تأمين مواقعها إلى ذلک، وکانت حملات الاعتقال والمطاردة مستمرة للأئمة(12) أنفسهم على الرغم مما يخلفه ذلک من شعور بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين وللناس الموالين على اختلاف درجاتهم.إذا أخذنا هذه النقاط الست بعين الاعتبار، وهى حقائق تاريخية لا تقبل الشک، أمکن أن نخرج بنتيجة وهى: أن ظاهرة الإمامة المبکرة کانت ظاهرة واقعية ولم تکن وهما من الأوهام، لأن الإمام الذى يبرز على المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماما روحيا وفکريا للمسلمين، ويدين له بالولاء والإمامة کل ذلک التيار الواسع، لا بد أن يکون على قدر واضح وملحوظ بل وکبير من العلم والمعرفة وسعة الأفق والتمکن من الفقه والتفسير والعقائد، لأنه لو لم يکن کذلک لما أمکن أن تقتنع تلک القواعد الشعبية بإمامته، مع ما تقدم من أن الأئمة کانوا فى مواقع تتيح لقواعدهم التفاعل معهم وللأضواء المختلفة أن تسلط على حياتهم وموازين شخصيتهم.فهل ترى أن صبيا يدعو إلى إمامة نفسه وينصب منها علما للإسلام وهو على مرأى ومسمع من جماهير قواعده الشعبية، فتؤمن به وتبذل فى سبيل ذلک الغالى من أمنها وحياتها بدون أن تکلف نفسها اکتشاف حاله، وبدون أن تهزها ظاهرة هذه الإمامة المبکرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقييم هذا الصبى الإمام؟(13) وهب أن الناس لم يتحرکوا لاستطلاع المواقف، فهل يمکن أن تمر المسألة أياما وشهورا بل أعواما دون أن تتکشف الحقيقة على الرغم من التفاعل الطبيعى المستمر بين الصبى الإمام وسائر الناس؟و هل من المعقول أن يکون صبيا فى فکره وعلمه حقا ثم لا يبدو ذلک من خلال هذا التفاعل الطويل؟

وإذا افترضنا أن القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت لم يتح لها أن تکتشف واقع الأمر، فلما ذا سکتت الخلافة القائمة ولم تعمل لکشف الحقيقة إذا کانت فى صالحها؟و ما کان أيسر ذلک على السلطة القائمة لو کان الإمام الصبى صبيا فى فکره وثقافته کما هو المعهود فى الصبيان، وما کان أنجحه من أسلوب أن تقدم هذا الصبى إلى شيعته وغير شيعته على حقيقته، وتبرهن على عدم کفاءته للإمامة والزعامة الروحية والفکرية. فلئن کان من الصعب الإقناع بعدم کفاءة شخص فى الأربعين أو الخمسين قد أحاط بقدر کبير من ثقافة عصره لتسلم الإمامة، فليس هناک صعوبة فى الإقناع بعدم کفاءة صبى اعتيادى مهما کان ذکيا وفطنا للإمامة بمعناها الذى يعرفه الشيعة الإماميون،(14) وکان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقدة وأساليب القمع والمجازفة التى انتهجتها السلطات وقتئذ.

إن التفسير الوحيد لسکوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة،(15) هو أنها أدرکت أن الإمامة المبکرة ظاهرة حقيقية وليست شيئا مصطنعا.

والحقيقة أنها أدرکت ذلک بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلک الورقة فلم تستطع، والتأريخ يحدثنا عن محاولات من هذا القبيل وفشلها،(16) بينما لم يحدثنا إطلاقا عن موقف تزعزعت فيه ظاهرة الإمامة المبکرة أو واجه فيه الصبى الإمام إجراحا يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.

وهذا معنى ما قلناه من أن الإمامة المبکرة ظاهرة واقعية فى حياة أهل البيت وليست مجرد افتراض، کما أن هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة فى تراث السماء الذى امتد عبر الرسالات والزعامات الربانية.

ويکفى مثالا لظاهرة الإمامة المبکرة فى التراث الربانى لأهل البيت عليهم السلام يحيى عليه السلام إذ قال الله سبحانه وتعالى: (يا يحيى خذ الکتاب بقوة وآتيناه الحکم صبيا) سورة مريم: .12

ومتى ثبت أن الإمامة المبکرة ظاهرة واقعية ومتواجدة فعلا فى حياة أهل البيت لم يعد هناک اعتراض فيما يخص إمامة المهدى عليه السلام وخلافته لأبيه وهو صغير.(17)

لماذا لم يظهر القائد اذن؟

لماذا لم يظهر القائد إذن طيلة هذه المدة؟و إذا کان قد أعد نفسه للعمل الاجتماعى، فما الذى منعه عن الظهور على المسرح فى فترة الغيبة الصغرى أو فى أعقابها بدلا عن تحويلها إلى غيبة کبرى، حيث کانت ظروف العمل الاجتماعى والتغييرى وقتئذ أبسط وأيسر، وکانت صلته الفعلية بالناس من خلال تنظيمات الغيبة الصغرى تتيح له أن يجمع صفوفه ويبدأ عمله بداية قوية، ولم تکن القوى الحاکمة من حوله قد بلغت الدرجة الهائلة من القدرة والقوة التى بلغتها الإنسانية بعد ذلک من خلال التطور العلمى والصناعى؟

والجواب: أن کل عملية تغيير اجتماعى يرتبط نجاحها بشروط وظروف موضوعية لا يتأتى لها أن تحقق هدفها إلا عند ما تتوفر تلک الشروط والظروف.

وتتميز عمليات التغيير الاجتماعى التى تفجرها السماء على الأرض بأنها لا ترتبط فى جانبها الرسالى بالظروف الموضوعية،(18) لأن الرسالة التى تعتمدها عملية التغيير هنا ربانية، ومن صنع السماء لا من صنع الظروف الموضوعية، ولکنها فى جانبها التنفيذى تعتمد الظروف الموضوعية ويرتبط نجاحها وتوقيتها بتلک الظروف.و من أجل ذلک انتظرت السماء مرور خمسة قرون من الجاهلية حتى أنزلت آخر رسالاتها على يد النبى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الارتباط بالظروف الموضوعية للتنفيذ کان يفرض تأخرها على الرغم من حاجة العالم إليها منذ فترة طويلة قبل ذلک.

والظروف الموضوعية التى لها أثر فى الجانب التنفيذى من عملية التغيير، منها ما يشکل المناخ المناسب والجو العام للتغيير المستهدف، ومنها ما يشکل بعض التفاصيل التى تتطلبها حرکة التغيير من خلال منعطفاتها التفصيلية.

فبالنسبة إلى عملية التغيير التى قادها ـ مثلاـ لينين فى روسيا بنجاح، کانت ترتبط بعامل من قبيل قيام الحرب العالمية الأولى وتضعضع القيصرية، وهذا ما يساهم فى إيجاد المناخ المناسب لعملية التغيير، وکانت ترتبط بعوامل أخرى جزئية ومحدودة من قبيل سلامة لينين مثلا فى سفره الذى تسلل فيه إلى داخل روسيا وقاد الثورة، إذ لو کان قد اتفق له أى حادث يعيقه لکان من المحتمل أن تفقد الثورة بذلک قدرتها على الظهور السريع على المسرح.

وقد جرت سنة الله تعالى التى لا تجد لها تحويلا فى عمليات التغيير الربانى على التقيد من الناحية التنفيذية بالظروف الموضوعية التى تحقق المناخ المناسب والجو العام لإنجاج عملية التغيير، ومن هنا لم يأت الإسلام إلا بعد فترة من الرسل وفراغ مرير استمر قرونا من الزمن.فعلى الرغم من قدرة الله سبحانه وتعالى على تذليل کل العقبات والصعاب فى وجه الرسالة الربانية وخلق المناخ المناسب لها خلقا بالإعجاز، لم يشأ أن يستعمل هذا الأسلوب، لأن الامتحان والابتلاء والمعاناة التى من خلالها يتکامل الإنسان يفرض على العمل التغييرى الربانى أن يکون طبيعيا وموضوعيا من هذه الناحية، وهذا لا يمنع من تدخل الله سبحانه وتعالى أحيانا فيما يخص بعض التفاصيل التى لا تکون المناخ المناسب وإنما قد يتطلبها أحيانا التحرک ضمن ذلک المناخ المناسب، ومن ذلک الإمدادات والعنايات الغيبية التى يمنحها الله تعالى لأوليائه فى لحظات حرجة فيحمى بها الرسالة، وإذا بنار نمرود تصبح بردا وسلاما على إبراهيم،(19) وإذا بيد اليهودى الغادر التى ارتفعت بالسيف على رأس النبى صلى الله عليه وآله وسلم تشل وتفقد قدرتها على الحرکة،(20) وإذا بعاصفة قوية تجتاح مخيمات الکفار والمشرکين الذين أحدقوا بالمدينة فى يوم الخندق وتبعث فى نفوسهم الرعب،(21) إلا أن هذا کله لا يعدو التفاصيل وتقديم العون فى لحظات حاسمة بعد أن کان الجو المناسب، والمناخ الملائم لعملية التغيير على العموم قد تکون بالصورة الطبيعية ووفقا للظروف الموضوعية.

وعلى هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهدى عليه السلام لنجد أن عملية التغيير التى أعد لها ترتبط من الناحية التنفيذية کأى عملية تغيير اجتماعى أخرى بظروف موضوعية تساهم فى توفير المناخ الملائم لها، ومن هنا کان من الطبيعى أن توقت وفقا لذلک.و من المعلوم أن المهدى لم يکن قد أعد نفسه لعمل اجتماعى محدود، ولا لعملية تغيير تقتصر على هذا الجزء من العالم أو ذاک، لأن رسالته التى ادخر لها من قبل الله سبحانه وتعالى هى تغيير العالم تغييرا شاملا، وإخراج البشرية کل البشرية من ظلمات الجور إلى نور العدل،(22) وعملية التغيير الکبرى هذه لا يکفى فى ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح وإلا لتمت شروطها فى عصر النبوة بالذات، وإنما تتطلب مناخا عالميا مناسبا، وجوا عاما مساعدا، يحقق الظروف الموضوعية المطلوبة لعملية التغيير العالمية.

فمن الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملا أساسيا فى خلق ذلک المناخ المناسب لتقبل رسالة العدل الجديدة، وهذا الشعور بالنفاد يتکون ويترسخ من خلال التجارب الحضارية المتنوعة التى يخرج منها إنسان الحضارة مثقلا بسلبيات ما بنى، مدرکا حاجته إلى العون، متلفتا بفطرته إلى الغيب أو إلى المجهول.

ومن الناحية المادية يمکن أن تکون شروط الحياة المادية الحديثة أقدر من شروط الحياة القديمة فى عصر کعصر الغيبة الصغرى على إنجاز الرسالة على صعيد العالم کله، وذلک بما تحققه من تقريب المسافات، والقدرة الکبيرة على التفاعل بين شعوب الأرض، وتوفير الأدوات والوسائل التى يحتاجها جهاز مرکزى لممارسة توعية لشعوب العالم وتثقيفها على أساس الرسالة الجديدة.

وأما ما أشير إليه فى السؤال من تنامى القوى والأداة العسکرية التى يواجهها القائد فى اليوم الموعود کلما أجل ظهوره، فهذا صحيح، ولکن ما ذا ينفع نمو الشکل المادى للقوة مع الهزيمة النفسية من الداخل، وانهيار البناء الروحى للإنسان الذى يملک کل تلک القوى والأدوات؟و کم من مرة فى التاريخ انهار بناء حضارى شامخ بأول لمسة غازية، لأنه کان منهارا قبل ذلک، وفاقدا الثقة بوجوده والقناعة بکيانه والاطمئنان إلى واقعه.(23)

پاورقى:‌